لقد أدت التغيرات الدولية والتقنية وذلک تخلق مايسمى " بالمجتمع مابعد الجماهيري" لفرض نموذج المجتمع التفاوضي فى مجال السياسة، وأصبح دخول الجماهير في الحياة السياسية أمر حتمي، في سياق دولي ضاغط وإجراءات معولمة قسرياً برز دور الفاعل التکنولوجي الذي شهده العالم والتدفق المعلوماتي الذى خلق شريحه من الشباب المتواصله، حيث أسهمت بشکل ملحوظ فى حرکات الإحتجاج والإنفجار الجماهيري فى مصر، ووفقاً لذلک جاءت أهمية دراسة الحرکات الإحتجاجية الجديدة، وتأثير تجليات واقع العلاقات الدولية والإقليمية المعولم، الذي فرض سياقاً وقدم دعماً شکل بيئه تولدت فيها الحرکات الإحتجاجية، الأمر الذي هدد حدود الدولة القومية التقليدية، وقد استهدفت الدراسة تقديم فهم تفسيري لتأثير تجليات العولمة والمتغيرات الدولية على طبيعة الحرکات الإجتماعية وعلاقاتها بالقوى المجتمعية فى سياق أحداث "يناير – يونية".
عمدت الدراسة إلى إستخدام المنهج النقدي بمفهوماته التحليلية للوصول لواقع الحرکات فى المجتمع المصري، کما اعتمدت إلى إستخدام منهج دراسة الحالة بإختيار عينات عمدية من أعضاء وفاعلين الحرکات الإحتجاجية الإجتماعية المشارکين فى فاعليات " يناير – يونية " من خلال إجراء العديد من المقابلات المتعمقة بإستخدام دليل المقابلة المفتوح والتسجيلات الصوتية التى أسهمت فى إجراء تحليلات کيفية نقدية دقيقة.
وقد أظهرت نتائج الدراسة الميدانية لکثير من الحقائق الکاشفة لواقع ممارسة ونشأة وتطور وآداء الحرکات الإحتجاجيه فى مصر من أهمها، فقد تآکلت کافة رکائز الشرعية للنظام قبل الثوره وبات إسقاطه من مطالبات الحرکات الإحتجاجية الجديدة منذ بدايتها، وظل السجال بينها وبين السلطة إلى أن سقط الخوف وتلاشت هيبة الدولة وأصبحت ثورة يناير السياق الإجتماعي والسياسي الذي بلور قوى إجتماعية جديدة شارکة في الفضاء السياسي بقوة أن لم يکن إستطاعت إحتکاره.
کما أن الحرکات الإحتجاجية المصرية لم تستفد کثيراً من معطيات الواقع فيما يتعلق بالتنظيم وآليات الحشد والخطاب والتعامل مع القوى المزاحمة لها، وذلک لإنفصال قاداتها عن قاعدة المنتمين إليها وتحولها سريعاً للمجال الإفتراضي. وقد عبرت التفاعلات والفضاءات التي تتحرک فيها الحرکات المصرية عن الانتهازية المفرطة في التعامل مع السلطة والقوى الإجتماعية والسياسية الأخرى، مماتسبب في الفرقة بين أعضائها وشکلت مئات الإئتلافات من بطون الحرکات الرئيسية.
تشير نتائج الدراسة أيضا للسجال بين الافتراضي والعام فقد أکدت أن القيادات المؤثرة في الحشد والتعبئه کانت قيادة إفتراضية، حيث أکدث على إنحسار المجال العام وهيمنة المجال الإفتراضي، مستفيدة من التقدم التکنولوجي لوسائل الإتصال وفقدان الثقة في النخبة التقليدية التي مارست العمل السياسي من ناحية أخرى.
ولم تستطع الحرکات الإحتجاجية التغلب على معضلة الهوية وعلاقة الدين بالاحتجاج وأفتقدت سمة العمل الجماعي والثقافة المدنية وسادت الرغبة فى تسيد سدة القيادة وحصد المکاسب الذاتية، ومثل الدين مصدراً للإختلاف السياسي بين التيارات الإحتجاجية.