يتناول هذا البحث موضوع البناء الثقافي لمقامات بديع الزمان الهمذاني، ويسعى إلى قراءة نص المقامات قراءة ثقافية، ويحاول وضع النص داخل سياقه الثقافي الذي نشأ فيه،  لفهمه وتحليل بنيته، والوصول إلى کنهه، استناداً إلى بعض الخطوات المنهجية المستمدة من المنهج الثقافي.   تمثل مقامات بديع الزمان الهمذاني جزءا من تراثنا العربي الأصيل، تبلور في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، و اکتنز بمخزون ثقافي زاخر، ورصد سياقاً ثقافياً، وصور متغيرات زمنية متحولة،وکان تعبيراً عن استيعاب ووعي بالمتغيرات الثقافية لذلک الزمن، فالمقامة نتاج ذلک التفاعل والتواصل بين سياقها الثقافي بظروفه المکانية والزمانية، بوصفه الإطار العام ألزم بديع الزمان الهمذاني أن يبنى خطابه بناء ثقافياً  وفق آليات تتلائم وهذا السياق، فقد استطاع الهمذاني أن يستقرأ السياق الثقافي، و أن يکشف عن خباياه، ويحدد ملامحه في قالب أدبي خاص، فالصياغة البلاغية، والترف اللغوي، والبناء المتسق بشکل عام، استلزمه سياق لغوي تميز بالتطور العلمي والثقافي، کما اختصت المقامات بتقديم صور جمة لمختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية.