يهدف هذا البحث الى تحديد مقتربات فنية توثق صلة الشعر الأندلسي بملحمة وادي الرافدين، وتأثره بکثير من موضوعاتها، ولاسيما صورة الصراع الإنساني، إذ وجد الباحث کثيراً من الصلات بين الأدبين، وقد دلل عليها في أماکنها، فأتجه إلى دراسة ملحمة جلجامش بنصوصها الشعرية التي کتبت باللغة السومرية والاکادية "البابلية والاشورية" (ينظر: طه باقر، 1980،ص9-10)، على الواح من طين بالخط المسماري، مع نصوص شعرية لشعراء أندلسيين، وقد وجدت مقاربات منهجية رائعة ترتقي بالبحث الى مستوى العثور على جوانب مهمة، ارتبطت ارتباطا عميقاً بنفسية، شاعر الملحمة وشعراء الأندلس، وانفعالاتهم الذاتية والأطر الاخلاقية التي حصنوا بها انفسهم من دون المساس بشخصيتهم الفاعلة التي تجلت بوضوح في شعرهم، واستطاعت البوح بما يجول في داخلهم، وقدمت لنا کل ما نريد معرفته والاطلاع عليه، وکشفت عن طبيعة عقلية هؤلاء الشعراء، وما وصل إليه تفکيرهم من وعي وثقافة اصيلة بلورتها الاحداث بشکل ينسجم مع اهدافهم. کما وقف البحث عند طبيعة الصراع الانساني بأشکاله المختلفة، سواء أکان صراع (خارجي)، وهذا الصراع ينشأ مع الآخرين والمجتمع وقيمه، أم صراع (داخلي)، ويکون مع النفس وهواجسها ونوازعها، وحاولت في بحثي الوقوف عند النصوص الشعرية لهؤلاء الشعراء، لأنها تشکل الوسيلة الرئيسية المناسبة في الوصول الى تجليات هذا الصراع بمفهومه الشامل، کاختلاف الرأي، او وجهات النظر، او الحُکم على شيء ما؛ لأن النص خلاصة تجربة الشاعر، ووثيقة مهمة لوقائع حياته وما رافقها من احداث وتفصيلات،تکشف کثيراً من ملامح ذلک العصر الذي عاش فيه.