الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم...
أما بعد .. فإن تدوين التاريخ ليس بالمهمة اليسيرة؛ لأنه يحتاج بين جمع للعلوم الشرعية والعقلية وغير ذلک، مع تجرد عن الهوى ودقة في التحليل وسعة أفق، ولذا لم يخض غمار هذا العلم إلا المتميز منهم من أهل العلم، ولم يکن علماء مکة بمنأى عن ذلک، فقد أسهم في تدوين التاريخ عددا کبيرا من أبنائها، منهم الشيخ عبد الستار الدهلوي، صاحب التصانيف المفيدة في تاريخ مکة وتراجم علمائها، وکذلک في التاريخ العام ، ولعل کتابه "نزهة الأنظار والفکر فيما مضى من الحوادث والعبر من هبوط أبينا آدم أبي البشر إلى القرن الرابع عشر"، أکد دليل على ذلک، فکتابه تاريخ مختصر، جمع فيه مؤلفه بين بداية الخليقة من إهباط آدم إلى الأرض، وحتى عام (1343هـ/ الموافق عام 1924م).
وقد تسنى لنا دراسة المخطوط"، وجذبتنا غزارة المعلومات وتفردها أحيانا والخاصة بمکة في القرن الثالث والرابع عشر الهجرين، خاصة وأن المؤلف عاصر الفترة، فکانت کتاباته عنها؛ شاهد عيان، ولسان حال، فجاءت صادقة في مبناها، ومعبرة في معناها، لقربه من الحدث، ومعايشته له، فارتأينا أن نکتب عن "أوضاع مکة السياسية في القرنين (13- 14هـ) من خلال نزهة الأنظار"، وقد تکونت لدينا خطة مکونة من المقدمة السابق عرضها، ومحورين، تناولنا في الأول باختصار التعريف بالمؤلف وکتابه، وجاء المحور الثاني معبرا عن موضوع البحث، وهو دراسة الأوضاع اسياسية في مکة وعلاقاتها بالقوى المحيطة بها من خلال القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري، وانهينا الدراسة بخاتمة شملت أهم النتائج والتوصيات.