إن الإنسان يحيا وسط أبعاد ثلاثة رئيسة، هي: الداخل، والخارج، والفوق، ويبدأ اتزانه النفسي من البعد الداخلي؛ فالإنسان ذات عميقة، تحيط بها الوحدة، والعزلة، والانطواء، والتأمل، والتفکير العقلي، والاستنباط، والضمير، والوعي؛ فالعالم الداخلي هنا أشبه (بالقوقعة)، التي يؤثر بها الإنسان الاحتماء من العالم الخارجي الذي يعني المخاطرة، وإمکانية التعرض للتشويه. ومن ثم، يصبح الإنسان، في بعض الأحيان، ذلک الموجود الغريب الذي لا يتکيف مع العالم، ولا يتحقق بينه وبين عالمه أي توافق. فيصبح (منفصلاً) عن العالم بصورة أو بأخري. ويمکن القول: إن إحساس الانفصال هذا يتأرجح بين (الغرابة Strangeness) و(الاغتراب Alienation)؛ فيصبح الإنسان تارة (غريباً)، وتارة (مُغترباً). وعلي الرغم من تشابه المصطلحين معاً إلي حد ما، واتصالهما بالأبعاد نفسها، إلا أن هناک اختلافاً لغوياً، واصطلاحياً بينهما، وقد عبرت کثير من النظريات الفلسفية، والأعمال الأدبية عن هذا الاختلاف، وما يتصل به من قضايا.
- إشکالية الدراسة:تکمن في محاولة التعرف علي مفهوم کل من: (الغرابة)، و(الاغتراب)، والوقوف علي الأبعاد البعيدة للاغتراب الإنساني، ومعرفة أهم النماذج المُعبرة عن شخصية (المُغترب) في الفلسفة اليونانية.
- أما عن تساؤلات الدراسة، فيمکن إجمالها فيما يلي:
1- ما الفارق اللغوي، والاصطلاحي بين کل من: الغرابة، والاغتراب ؟
2- ما الأبعاد الفلسفية، والنفسية، والاجتماعية، والدينية للاغتراب ؟
3- کيف عبرت الميثولوجيا اليونانية عن الاغتراب الديني في المجتمع اليوناني ؟
4- هل کان أبيقور مُلحداً؟ أم مغترباً دينياً ؟
5- لماذا يعد سقراط نموذجاً لکل من الاغتراب السياسي، والمجتمعي علي حد سواء ؟
- المنهج المُستخدم: استخدمت في إعداد هذه الدراسة بعض مناهج البحث المختلفة: کالمنهج التاريخي؛ وذلک لتتبع فکرة (الاغتراب) في الفکر الفلسفي، والمنهج التحليلي؛ وذلک للوقوف علي تحليل النصوص الفلسفية والأدبية، واستنباط ما يمکن استنباطه منها. والمنهجين: النقدي، والمقارن؛ وذلک للوقوف علي أوجه الاختلاف والتقارب بين مفهومي: (الغرابة)، و(الاغتراب) وما يتصل بهما من قضايا مختلفة في الفلسفة اليونانية.