يختص هذا البحث بدراسة تحليلية دلالية لقصيدة (على قدر أهل العزم) للشاعر العباسي أبي الطيب المتنبي، بتصنيف الحقول الدلالية لمفردات القصيدة ضمن الإطار المنهجي العام لعلم اللغة، للکشف عن الأوجه الدلالية المتنوعة في القصيدة، وتحديد أطر السياق الثقافي لزمن القصيدة وحيثيات نظمها، ويتم ذلک برد المفردات، کلٌّ إلى حقلها المعجمي الذي تنتمي إليه، ثم البحث في المظاهر والسمات التي تتضمنها تلک الحقول، وتحديد العلاقات الدلالية بين تلک السمات، ثم أثر هذه العلاقات في فهم نص القصيدة وجلاء معانيها المستترة والظروف المحيطة بنظمها. تم في هذا البحث دراسة حقل الموجودات الحية والموجودات غير الحية وحقل المجردات وحقل الأحداث.
وکانت نتائج البحث مستخلصة من الإحصائيات المعجمية والعلاقات الدلالية، اعتماد الشاعر على الدلالتين المرکزية والهامشية للألفاظ بشکل متوازٍ، وسيطرة ضمير المخاطب الخاص بالممدوح سيف الدولة الحمداني على حقل الأحداث؛ حيث خاطبه الشاعر في ثمانية وعشرين بيتًا بصيغ خطابية ثلاث، فتارة باسمه وتارة بضمير المخاطب التاء وضمير المخاطب الکاف.
أما حقل الألفاظ الدالة على الحيوان فقد کان محدود الحضور في القصيدة، وتميز بحضور الأسود والخيول في وحدات معجمية متعددة للفصيلتين، بينما لم يکن لحقل النبات حضور في القصيدة، وجاءت الألفاظ الدالة على الأدوات الحربية غزيرة لکل من مفردتي السيف والرمح بتوظيفها بوحدات معجمية متعددة لکل منهما، وهو توظيف منطقي لضرورة احتياج النص لهذه المفردات في وصف مجريات المعرکة وأهوالها وبسالة کل من الممدوح سيف الدولة الحمداني، وبيان أهمية النصر وقيمته وتخليد هزيمة الروم، ولذلک کان حقل ثنائية الحرکة والثبات متميزًا بالألفاظ الدالة على الحرکة بشکل واضح، وحقل ثنائية الحياة والموت متميزًا بغزارة الألفاظ الدالة على الموت إزاء ندرة الألفاظ الدالة على الحياة؛ فالمعرکة وسرعة الأحداث والبطش بالعدو تطلبوا الحرکة والترکيز على الموت والقتلى، کما أن الإيقاع الحماسي في القصيدة ليس مقامه الثبات والسکون.
إن نص قصيدة المتنبي زاخر بالمعرفة في المستويين اللغوي والمعجمي، ولذلک تم اعتماده ليکون مدونة لهذا البحث؛ إذ إن عناية الشاعر بحسن نظمه واختيار ألفاظها وحسن انتقاء المفردات، سما بنصه ليحظى بالتداول والشيوع بين الناس منذ عصره إلى عصرنا هذا.