تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على جانب مهمّ من جوانب الشعر الجاهلي، وهو احتواؤه على الکثير من الإشارات والشواهد والأدلّة على وجود حضارة عربيّة قبل الإسلام، ذات عناصر متعدّدة أخلاقية وسلوکية ومادّية، وذات روافد داخلية وخارجيّة، وقد تمثّلت الروافد الداخلية في الحاجة إلى تنظيم العلاقات بين أبناء المجتمع، والحفاظ على استقراره وأمنه، وتنظيم العلاقات مع القبائل المختلفة. أما الروافد الخارجية فتمثلت في الاستفادة من حضارات الأمم الأخرى کالفرس والروم والهند والصين.      وقد اتخذت هذه الدراسة من المعلّقات نموذجاً للتطبيق، وذلک للمصداقية والشهرة التي تمتعت بها المعلّقات، ولأنّ الرواة والشرّاح ومؤرّخي الأدب أجمعوا على مکانتها.      وقد خلصت الدراسة إلى وجود الکثير من الشواهد على وجود حضارة إنسانية تُعْنَى بالقيم الإنسانية؛ من عدلٍ وکرم والتزام بالعهود والمواثيق، واحترام لحقوق المرأة، ودعوة إلى السلم.      کما کشفت الدراسة عن شواهد على حضارة ماديّة في مجالات الحياة المختلفة؛ من عمران وصناعات وزراعة وطب وغير ذلک.      وترى الدراسة في خاتمتها، أنّ الدقّة البالغة التي اتَّسمت بها اللغة العربية في تلک القصائد في عصر ما قبل الإسلام، دليلٌ على رصانة العقل العربي وعمقه، وقدرته ودقة تنظيمه، وهي شروطٌ أساسية لأي بناء حضاريّ؛ بل هي دليل على وجود حضارة متعدّدة الأبعاد والمجالات والوجوه.