يتميَّز الفکر اللسانيّ الحديث بعامَّة، واللّسانيّ النَّصِّيّ بخاصَّة بحرکةٍ متجدِّدةٍ من خلال تبلور مفاهيمه، والإسهامات التَّطبيقيَّة في ميدان توصيف النّصوص؛ فقد بات جليَّا قيام لسانيَّات النَّص وتحليل الخِطاب بتکسير حدود الجملة، وتجاوز دلالتها إلى بنية النَّص في التَّواصل، کما فتحت آفاق الدَّرس على مستوى يجاوز النَّص- وهو مستوى الخطاب- الذي ينفتح درسه على علومٍ غير لًغويَّة تجعل من منظورات تحليل الخطاب علمًا متعدِّد التَّخصُّصات، والدِّراسة -التي نحن بصددها- جاءت بعنوان: (أفعال الکلام: دراسة تداوليَّة في همس الجنون)، تعتمد الدِّراسة المنهجَ الوصفيّ التَّحليليّ، وآثرتُ اختيارَ عملٍ أدبي لأديبنا الکبير نجيب محفوظ  وهى مجموعته القصصيَّة (همس الجنون)، و قد تناولت فيها تحليلا تفصيليًّا لأفعال الکلام في قِصَّة (الشر المعبود) التي تقع ضمن هذه المجموعة القصصيَّة. والأفعال الکلاميَّة – موضوع هذه الدِّراسَة- هى ما يفعله المتکَلِّمون باللُّغةِ من إنجاز، وتبليغ ، وتأثير، وقد انبثقت من المقاربات التَّداوليَّة، وتتّضِح أهميَّتها في تحليل اللُّغة قيد الاستعمال، لذلک يسهم کل من المتکلِّم والمخاطب في تحديد أبعاد العمل المنوط بهما لأجل توصيله إلى القارئ؛ لذا تناولت الدراسة التَّحليل التَّفصيليّ للأفعال الکلاميَّة المتضمنة في (همس الجنون) وبالتّحديد في قصَّة (الشر المعبود)  حيث اعتمدت الأخيرة على الکثير من المعاني الحرفيَّة والمعاني المستلزمة (أو معنى المعنى کما أسماه الجرجانيّ)،  واعتمدت کذلک على الحوار الذي يُعَدّ أحد أهم عناصر نظريَّة الأفعال الکلاميَّة، ولما له من دورٍ فاعل في إظهار عناصر التَّواصل، کما تفتح الوظائف الإنجازية التي تحملها هذه الأفعال الکلاميَّة مغاليق بعض المعاني المبهمة.      اعتمدت هذه الدراسة على عدد من الدراسات والمراجع التي تناولت التَّداوليات وتحليل الخطاب، وانقسمت بين يديَّ إلى مبحثين؛ الأوَّل: تناول التَّحليل التَّفصيليّ للأفعال الکلاميَّة في الشرِّ المعبود، وتناول الثَّاني السِّياق التَّداوليّ ودوره في عمليَّة التَّواصل من خلال رصد الاتّساق داخل نصّ القصَّة، وکذا من خلال رصد أسباب التَّماسک خارج النصّ.