إن ثقافتنا العربية قامت على الاستقراء، ومن ثم التحليل والاستنباط، وفي هذه الأسس تأثر علماؤنا بالفکر الرياضي؛ حيث جمعوا ألفاظ العربية، وحصروها بطريقة رياضية، معتمدين فيها على التفسير والتعليل، وظهر ذلک في کتبهم، والمنطق الرياضي يستند إلى النظام الاستنباطي الذي يجعل غير المترابط نظاماً متماسکاً يعطينا مجموعة من القوانين الثابتة، وهذا ما حدث في النحو؛ حيث تساق الوحداث اللغوية وفق ترکيب لغوي خاضع لعلاقات مرتبة ومتناسقة يقبلها منطق العقل، ويقيس عليها، وعلم النحو مؤسس على علاقات قائمة بين أجزاء الکلام، ولا تتم اکتشاف ماهية هذه العلاقات إلا باتباع منهجٍ علمي يقوم على ملاحظة الظواهر اللغوية، ومن ثم ملاحظة النحاة لظاهرة الإعراب، ثم التجربة للتدليل على صحة ما توصل إليه النحاة في استقرائهم من نتائج، ثم وضع الفروض للوصل إلى استنباط أساليب الصياغة الصحيحة، وإذا صدقت الفروض، وأثبت النحاة صوابها أصبحت قاعدة عامة، کما يُعد القياس - بقسميه القياس الاستقرائي والقياس الشکلي - ملمحاً من ملامح الترابط القوي بين المنطق الرياضي والنحو؛ لأنه يقوم على أصل وفرع وعلة وحکم.