لأن البکريّ أعلن في مقدمة کتابه هدفَهُ الرئيس من تصنيف هذا المعجم، وهو إنشاء معجم للبلاد والمواضع غايته أن يذکرَ فيه الأسماءَ مُبَيّنَةَ البناءِ، مُعْجَمَةَ الحروفِ، حتى لا يقعَ فيها لَبْسٌ ولا تحريف؛ فقد جاء هذا البحث الموسومُ باسم: "منهجية الضبط اللغويّ عند البکريّ في معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - دراسة تحليلية في ضوء اللسانيات الجغرافية المعاصرة"، محاولةً لرصد منهجه في الضبط اللغويّ للأسماء في المعجم، من خلال تتبع طرق الضبط المتنوعة التي تعددت بين الضبط بالحروف لجميع الأسماء لحکاية النَّقْطِ والحرکات وتسميةِ الحروف المعجمة والمهملة، وتوظيف الأبواب الصرفية في ضبط الأسماء مثل حکاية تصغيرها وما حدث فيها من إبدال صوتي، وضبطها بالوزن الصرفي، وبيان نسبتها، وصيغ مشتقاتها، والإشارة إلى واحدة الاسم وتثنيته وجمعه، وتسمية الأسماء المقصورة والمنقوصة والممدودة، فضلا عن تفرده ببعض طرق الضبط اللغويّ وتطبيقها في معجمه، وغير ذلک.       وهذا وغيره عکس منهجية فريدة في دفع الاستعجام عن أسماء البلاد والمواضع، جمع فيها البکري بين ما يعهده أهل التحقيق في الضبط اللغويّ، کما تفرد في معجمه ببعض الطرق الأخرى عنهم، إمعانا في الضبط وضمانا لسلامة النطق، جامعا في مواضع کثيرة بين أکثر من وسيلة للضبط اللغوي، ومقتصرا أحيانا على وسيلة واحدة لبعض الأسماء، لکنه في النهاية حقق هدفه تحقيقا طيبا، وأصبح معجمه من المعاجم الفريدة التي ترسم خطا الجغرافيا اللغوية، وتثبت کيف يکون تکامل العلوم بين الجغرافيا واللغة لتحقيق غاية منهجية ضابطة وحاکمة للتراث العربي.