إن نظريات دراسة المعنى حاضرة في التراث اللغوي والأصولي عند العرب القدامى، إلا أنها کانت متفرقة وغير مجموعة في علم خاص بها، ولم يهتم أحد من القدامى ببيان إطارها النظري ووضع قواعدها وأرکانها، وهو ما تحقق لاحقًا على أيدي علماء اللغة الغربيين الذين اعتنوا بدراسة المعنى فوضعوا النظريات لذلک، وحددوا ضوابطها وسماتها وخصائصها ومبادئها.
وإن جزئية المعنى شهدت اختلافات متعددة في تحديده وآليته وموضوعه وميدانه، فکل منهم ينظر إلى المعنى نظرة خاصة.
فالنظرية الإشارية ترى أن المعنى هو ما تشير إليه، لکن فکرة وجود کلمتين مترادفتين تشيران إلى المرجع نفسه يجعل العثور على جوهر المعنى غير دقيق.
والنظرية التصوُّرية ترى أن جوهر المعنى هو الصورة الذهنية، وکان على هذه النظرية مجموعة من المآخذ؛ حيث إنها تفسِّر الأشياء الغامضة والمعاني بالأفکار والتصورات.
والنظرية السلوکية ترى أن المعنى هو حصيلةُ علاقة لغوية نفسية بين المثير والاستجابة، لکنها أغفلت کثيرًا من الأحداث التي لا يمکن قياسها لعدم قدرتها على إنتاج استجابات أو ميولات.
والنظرية السياقية استطاعت أن تجد حلًّا لدراسة المعنى وتجاوز مآخذ النظريات الموازية لها في ميدان نظريات دراسة المعنى، فتناولت دراسة المعاني وفق سياقاتها المتنوعة، سواء أکانت هذه الکلمات مبهمة المعنى في نفسها أم لا تحتوي على صور ذهنية، أم منفصلة عن الاستجابات، فجميعها لها استعمالات خاصة بها إذا تم النظر إلى معناها في سياق ما.