إن بحث تحولات المکان والموضوع هو مقاربة تحليلية للحقل النظري في الدراسات الانثروبولوجية على اختلاف مشاربها النظرية. وانعکاس هذه التوجهات على آليات الممارسة الميدانية. وجاء الترکيز على ثنائية المکان والموضوع من خلال تعريف الأول وعلاقته ببناء المنهج الانثروبولوجي وفهم نسبية الموضوعات الانثروبولوجية التي شکلت هوية التخصص مع المجال المکاني. وقد اعتمد هذا البحث على تساؤل أساس: ما السياق المکاني وما دوره في رسم المنهجية وتحديثها؟ وهل يمکن لنا أن نتبنى مفهوم المکان لاستنطاق التراث الانثروبولوجي فيما يتعلق بتحولات الموضوع وعلاقته بالمکان؟ إذ إن الهدف الذي ناضل من اجله الباحث الانثروبولوجي هو الوصول إلى الکيفية التي يتموضع فيها في مکان الدراسة والتموضع يعني القبول من الآخر الغريب في الميدان والمساحة التي تسمح له باستحصال المعطيات ومحاولة الربط بين المکان والموضوع.
اعتمد هذا البحث على ادبيات المدارس الانثروبولوجية الثقافية والاجتماعية ومناهجهما التي انبثقت من مبدأ النسبية الثقافية والاطر السياقية للمکان والزمان وثقافة مجتمع البحث وبنائه. وقد تمثل ذلک في تبني البحث المنهج التحليلي الوصفي الذي يعتمد على رسم مقاربات ذات بعد تاريخي وتقاطعي مقارن، وتتبع ماهية المکان في مدارس البحث الانثروبولوجي على اختلاف مرجعياتها التي شکلت صوراً متباينة للمنطلقات النظرية واختلاف أشکال المجتمعات المدروسة، فالمدرسة البريطانية رکزت على المکان إنموذجاً إرشادياً استدلت من خلاله على موضوع معين تتضح من خلاله بنية الثقافة والمجتمع. وبعد انتقالها للمدينة استبدلت هذا المنظور تحت محکومية المکان الواسع لترکز على موضوع معين. ولا تختلف المدرستان الامريکية والفرنسية عن البريطانية الا في توجهات معينة وهي ان البريطانية رکزت على تحوير المنهج وتطويره بخلاف المدرستين الأخريين اللتين رکزتا على تحديث وتطوير الاتجاه النظري الذي يوجه المنهج.