تشکل الزراعة منعطفاً حضارياً مهماً أسهم في بناء أولى بوادر ظهور الحضارة الإنسانية على وجه الأرض، کما شکلت نوعاً من التحول الکبير من حيث التطور الإنساني في رکب المدنية والتي أدت إلى بناء القرية في العالم القديم کموطن ومسکن أول يحتاج إلى ديمومة في الحياة فظهرت الزراعة نتيجة لتلک التحولات الإنسانية کحاجة ملحة من اجل استمرار الحياة. لقد تشکلت الزراعة ونمت في بلاد وادي الرافدين بعد أن أصبحت مهداً للحضارة الإنسانية في العالم القديم، واختلفت نتيجة لاختلاف البيئة والمکان، فقد کانت الزراعة في جنوب ووسط العراق مختلفة عن الزراعة في مناطق شمال العراق. وهذا ما جعل للحضارة الآشورية التي کانت على وفق التطور الحضاري الذي شهده العراق القديم نقطة کبيرة في التقدم المعرفي واکتساب الصنعة والمهارة والتفکير، وکانت للزراعة والري دورها الواسع النطاق ضمن هذا التحول والتطور الهائل فيها.
تضمن البحث الحالي مبحثين متخصصين بالزراعة وتحولاتها في عهد الدولة الآشورية على مر عصورها الثلاث. إذ تضمن المبحث الأول دراسة الزراعة ونشأتها في مناطق شمال بلاد وادي الرافدين القديمة والتعريف بتلک المرجعيات الفکرية والمهنية لها قبيل مجيء الآشوريين. أما المبحث الثاني فقد تضمن دراسة الزراعة ونشأتها في بلاد آشور في مختلف عصورها الحضارية، وقد صنفت في أربعة محاور، شمل المحور الأول دراسة تاريخ زراعة المحاصيل الحقلية (الحبوب). أما المحور الثاني فقد شمل دراسة تاريخ زراعة الحدائق والبساتين، وتضمن المحور الثالث تاريخ تدجين الحيوانات واستخداماتها في الإنتاج الزراعي، بينما تضمن المحور الرابع والأخير دراسة مشاريع الري وما أحدثته من ثورة زراعية هائلة في عهد الدولة الآشورية. ومن ثم کتابة أهم الاستنتاجات التي خرج بها هذا البحث فقائمة للمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الباحثة في دراستها هذه. ومن الله التوفيق.