عرف الکلام العربي من قديم عهده ألوانا من التَّفنُّن في صياغة العبارة، شملت الجملة، فطالَتْها منْ جوانب عديدة، کالتقديم والتأخيروالحذف، وفي الجوانب البلاغية من الاستعارة والکناية والتشبيه، کما شملت الکلمة المفردة من جوانب الترادف والقلب المکانيّ والمشترک اللفظيّ والتضادّ والزيادة، فضلا عن الأمور المتعلِّقة بالأصوات وتأثير بعضها في بعض، وألوان المحسِّنات البديعية بأقسامها وأنواعها التي صارت دراستها جزءا أساسيا في الدرس البلاغيّ.
وأدلى اللغويون بدلْوهم في البحث الذي يتناول، بالإضافة إلى أمور القاعدة النحوية والصرفية، مسائل تتصل بخصائص العربية في التعبير، وهو ما درسه علماء فقه اللغة تحت عنوانات مثل سَُنَن العرب في کلامها، وأسرار اللغة أو سر العربية، کما فعل ابن فارس والثعالبيّ، ومِنْ قبلِهما بَثَّ سيبويه في کتابه، والخليل في معجَم العين ملاحظات يتعلَّق کثير منها بالفوارق التعبيرية کالإخبار بالنکرة والمعرفة وتقديم الخبَر على المبتدأ، والفرق بين الإخبار بالفعل والإخبار بالوصف، أو بين التعبير بالفعل والتعبير بالوصف، والاستدلال على تلکم الفروق بشواهد من الذکْر الحکيم، والحديث الشريف، وکلام العرب شعرِه ومنثورِه.
وقد جرى التطبيق في البحث على نماذج من الکلام العربيّ الفصيح في مستوياته المختلفة، فشمل نصوصا من القرآن الکريم، والحديث الشريف، والشعر العربيّ من أقدم عصوره، وکذلک نماذج من النثر العربيّ الفنِّيّ، فضلا عن الحِکَم والأمثال.
وقد أظهرت نتائج البحث مدى أثر حُبّ المشاکلة في بنية الکلام العربيِّ، مفرداته وتراکيبه وجمَله، على مدى الزمان، وما يزال هذا الأثر يجِدُ مکانه في کلام الناطقين بالعربية بکل مستوياته ولدى کلّ مستوياتهم.