يدور هذا البحث حول ردود شيخ الإسلام ابن تيمية على القانون الکلي عند الإمام فخر الدين الرازي الذي قال به في مؤلفاته لاسيما في کتابه (أساس التقديس)، والذي عرف فيه القانون الکلي بأنه «تقديم العقل على الشرع عند مظنة التعارض بينهما»، وقد دلل على کلامه هذا بحجج من عنده.
وهذا ما دعا شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن يؤلف کتابه (درء تعارض العقل والنقل)، أي استحالة وامتناع التعارض بين العقل السليم والشرع الصحيح، للرد على (أساس التقديس) الذي قال فيه الإمام الرازي بالقانون الکلي.
وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القانون في کتابه (درء تعارض العقل والنقل) بأن رد عليه ردًّا إجماليًّا ثم ردودًا تفصيلية في أربعة وأربعين وجهًا، مبينًا فيها عوار القانون الکلي وبطلانه، وأنه يطعن في الخالق سبحانه وتعالى وفي کتابه الکريم، ويطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سنته الشريفة، بل إنه يطعن في العقل السليم وفي الفطر السوية، فضلًا عن تناقضاته.
ومع ذلک فإن الإمام فخر الدين الرازي لم يقصد معارضة الشرع، بل کان يقصد حمايته؛ لهذا وجب إحسان الظن بالإمام فخر الدين الرازي، لأنه کان مجتهدًا في مسألة القانون الکلي، وإن کان اجتهاده في غير محله؛ لأن مسائل العقيدة لا اجتهاد فيها مثل مسائل الفروع، ونعلم أنه کان يتعبد الله تعالى بهذا القانون الجائر حسب ما أداه إليه عقله، ونجزم أنه أراد تنزيه النص الشرعي إلا أنه وقع في تعطيله من غير قصد، بل بنية حسنة. وهذا ينطبق على أصحاب النوايا الحسنة من الفلاسفة والمتکلمين الذين لم يعارضوا الشرع ويقدموا عليه العقل من باب الهوى والشيطان.