کانَ خطابُ القرآنِ بالعالميّةِ، جوهراً قارّاً فيهِ بما هو کتاب، ومن منظورٍ انعکاسيّ، يسعى إلى التّکميلِ، وسبرِ وجهاتِ النّظر المتعدّدةِ والمتشاکسة، آلَيتُ في هذا البحثِ التّاريخيِّ الثّقافيّ اللغويّ، استجلابَ واحدٍ من أقدمِ النّماذجِ في تقويضِ فکرةِ المغايرةِ النّديّة، نموذجاً اتّسعَ لاستيعابِ الآخر، متمثّلاً بدافعٍ لغويٍّ لاستقصاءِ ثقافةِ هذا اللسان.
عبر نسخةٍ مترجمةٍ من القرآن، استلهمَ جيفرسون أشواقَهُ الحرّة، وأسئلتهُ الخصبة تجاه الإسلامِ، وإزاءَ المنظومةِ المفاهيميّةِ التي يجلّيها من خلالِ الفعل، أؤلئکَ الفرقاءُ الذي يمارسونَ تصوّراتِهم، ضمنَ ميکانيزماتٍ سلوکيّة.
حاولتُ من خلالِ الاتّکاءِ على منظورٍ ثقافيٍّ لغويّ في القرآن، أن أبحثَ في بذور الثّقافةِ التّقدّميّةِ العالميّة، محلّلةً للجذورِ والبنى المؤسّسةِ في التّنوعِ وتقبّلِ الاختلاف، لم يکن ذلکَ استقراءً للتّحوّلاتِ في الماضي، بل بناءً للتّاريخِ من وجهةِ نظرِ قادِمة، ولم يکن ذلکَ مُتخيَّلاً إيديولوجيّاً، في محاولةٍ لفرضِ سياسةِ الدّمجِ والتّماهي للمسلمينِ والقرآن، في مجتمعٍ معرفيٍّ شموليّ، هو المجتمعُ الأمريکيّ، بل إنّ عالميّةُ القرآنِ وُضعت على محکِّ الاستقصاءِ، وأمام سؤالِ المرونةِ والعمق، وخاضَ المسلمُ أزمةَ الذّات، من خلالِ أمثلةٍ کثيرةٍ طرحتها دينيس سبيلبيرغ، من خلالِ تمثّلها لتجربةِ توماس جيفرسون، أحد الآباءِ المؤسّسين لأمريکا، في محاولةٍ لإعادةِ الصّلة بينَ الإنسانِ والعالمِ، من خلالِ القرآنِ الکريم.
تبدو قصّة الحرّيّة الدّينيّة التي يطرحها کتاب "توماس جيفرسون والقرآن: الإسلام والآباء المؤسّسون" قصّةً ذاتَ تيّار وعيٍ کبير، تستحوذُ أسئِلتُها على الذّهن، من خلالِ مقارباتٍ عدّةٍ في الکتاب، وأسئلةٍ أکثرَ في الواقعفإن لم يکن المُستقبَلُ سَيِّد النّجاة، في الإجابةِ عمّا تقدّم، فلا أقلّ من الدّخولِ في امتحانِ التّاريخِ وذاکرةِ الجماعة.
وما قامت بهِ سبيلبيرغ، أشبهُ بمقدّمةٍ تاريخيّة، تحفرُ في الصّورةِ الواثقةِ کالوتد، وتحاورُ ذلکَ الشّبحَ المتخيّل عن الأمّةِ المسلمةِ النّاشئة في أمريکا، وقد تجلّى حلّ المشکلاتِ المعقّدةِ، من خلالِ الاتّصالِ اللغويّ، وبتصدير هذهِ الثّقافة لضوابِطها وشروطِها عبر سياقٍ مفاهيميّ تجلّى من خلالِ حدودِ النّصّ: القرآن الکريمِ إطاراً وجوهراً.