يبدو أن قدرات شعراء التصوف لم تتوقف عند حدود اخضاع القصيدة التقليدية لطبيعة مواجدهم العرفانية, بل إنهم تمکنوا من توظيف الموشح, هذا الفن الجديد الذي وضع اصلاً للغناء لتلک الطبيعة العرفانية ذات النهج الخاص والجديد على مسارات الشعر العربي. ولا غرابة حينئذ، حين توجه أصحاب هذه المنظومة الجديدة التي تضم افکاراً وفلسفات ذات بعد ميتافيزيقي إلى ما فيه خدمة لأفکارهم، وفلسفاتهم, ولا سيما إنهم نجحوا في توظيف الشعر والقصيدة کما هو واضح في ديوان ترجمان الاشواق لأبن عربي، وفي ديوان ابن الفارض، وغير ذلک من الاشعار التي وردت على لسان من سبقهم من کبار المتصوفة. اقتضى هذا الأمر أن تشخص حالة الابداع هذه, ولاسيما أنها ارتفعت بالشعر العربي من المستويات المادية المتعارف عليها في الشعر العربي, التي لا تخرج عن حدود موضوعات الوصف والغزل والمديح والفخر والهجاء إلى عالم روحي، ينتقل الشاعر عبر اجوائه باحثاً عن ومضات روحية تلامس حقيقة مواجده وافکاره الخاصة.
لقد أحدث الشعر الصوفي هزة في واقع الأدب العربي, وربما اعرض عنه نقاد القصيدة التقليدية, إلا أنَّه بعد أن أقبل الناس عليه، وعکفوا على قراءته، وتداوله, اذا بالنقاد تراهم قد سارعوا اليه, بل حاول بعضهم أن يکتشف عما فيه من أسرار أخذت بألباب اولئک المتذوقين. وبهذا احرز الشعر الصوفي مکانته التي استحقها, ولا سيما بعد أن شغف به وبأجوائه شعراء الحداثة الأوربية, التي حاولت أن تستلهم بعض نماذجه في اتجاهاتها الشعرية الجديدة, وهذا ما ينطبق على فن الموشح أيضا الذي نحن بصدد دراسته في هذا البحث.