يعُد قاضي القضاة تقي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خلف العلامي المصري الشافعي، من الشخصيات التي ترکت أثراً واضحاً في تاريخ مصر السياسي والاجتماعي والفکري في مطلع العصر المملوکي الأول نظراً لأهمية المناصب الإدارية التي تقلدها، کان أخرها منصب قاضي القضاة في الديار المصرية، إذ لم يعرف عن شخصية سبقته أو من معاصريه، أن جُمعت له سبعة عشر منصباً إدارياً وعلمياً في آنٍ واحد، وقد أدارها جميعاً بکفاءة عالية، ونزاهة يشهد بها الجميع، ،فضلاً عن مکانته العلمية التي أهلته للتدريس في أهم مدارس مصر والقاهرة حينذاک، لذا لاغرو أن تکون المحنة التي تعرض لها في أوائل الدولة الأشرفية على يد الوزير ابن السلعوس،حدثاً مهماً تناولته أقلام معاصريه من المؤرخين، أو من جاء بعدهم، مسلطة الأضواء على الأسباب الخفية الکامنة وراء تلک المحنة .ومن جانب أخر فإن الواقعة التي تعرض لها القاضي التقي کشفت وبما لا يدعُ مجال للشک، حجم الصراع الخفي بين الوزير ابن السلعوس المدعوم من السلطان الأشراف خليل من جهة، وبين الأمراء والمماليک من جهة أخرى، حول الحصول على أکبر قدر ممکن من النفوذ والامتيازات،ذلک الصراع الذي لم يلبث أن خرج إلى العلن ليکشف عن نتائج سيئة فعلت فعلها - إلى جانب عوامل أخرى – في نهاية مأساوية لتلک الدولة حيث لقي السلطان ووزيره مصرعهما بطريقة مروعة.
ومما يزيد من أهمية تلک الواقعة، دخول طيف واسع من فئة العلماء والفقهاء على خط الأحداث ليؤشر لنا عن حجم الصراع الذي کان قائماً فيما بينهم من أجل الحصول على الامتيازات والمناصب الإدارية .