تنطلق دراسة الموضوع من إطار نظري لابن خلدون عن " أثر العصبية و الدعوة الدينية في قيام الدول و سقوطها " . و کذا من مقولته عن " أسباب التحالفات و الائتلافات القبلية و العنصرية و عوامل انفراطها" .
لذلک ؛ کان هذا البحث تطبيقا عمليا للرؤية الخلدونية في فلسفة التاريخ المغربي في العصور الوسطى الإسلامية . إذ قامت الدولة الرستمية في بلاد المغرب الأوسط سنة 162 هـ , و سقطت سنة 296 هـ . و في الحالين معا ؛ أثبتت الدراسة مصداقية رؤية ابن خلدون بامتياز .
لقد تأسست الدولة الرستمية استنادا إلى حلف قبلي تزعمته قبيلة " لماية " شمل الکثير من قبائل المغرب الأوسط من البتر و البرانس على السواء . أما الدعوة المذهبية فتکمن في المذهب الخارجي الإباضي الذي اعتنقته کافة القبائل التي شکلت عصبية الدولة ؛ و هو ما أسفر عن التئامها و توحدها و من ثم کان من أسباب قوتها في طور التکوين و ساعد على تطورها السياسي و ازدهارها الحضاري إبان حکم الأئمة الثلاثة الأوائل .
على أن هذا الاستقرار السياسي و الازدهار الحضاري أدى إلى هجرة عناصر من إثنيات عديدة _ کالفرس و العرب من الشرق , فضلا عن قبائل مغربية جديدة _ و استقرارها في کنف الدولة الرستمية . و الأهم ؛ أنها کانت على مذاهب أخرى _ مالکية و صفرية و اعتزالية و شيعية _ مغايرة لمذهب الدولة الإباضي .
و قد أسفرت سياسة التسامح الديني و المذهبي التي اتبعها الأئمة الأوائل عن ازدهار فکري و تلاقح مذهبي ؛ فضلا عن رواج اقتصادي نتيجة انتعاش النشاط التجاري ؛ خصوصا مع بلاد السودان الأوسط موئل تجارة الذهب و الرقيق .
بديهي أن يفضي التنافس بين الإثنيات المتعددة و أصحاب المذاهب المختلفة إلى صراع سياسي للظفر بمنصب الإمامة ؛ الأمر الذي أدى إلى " حروب أهلية " أسفرت عن ضعف الإمامة الإباضية . و زاد الطين بلة ما حدث من انشقاقات عديدة في المذهب الإباضي نفسه ؛ أسفرت عن ظهور مذاهب أخرى معارضة ؛ منها مذاهب " السمحية " و " النکار " و " النفاثية " و غيرها ؛ الأمر الذي مهد لسقوط الدولة على يد الدولة الفاطمية الجديدة .
خلاصة القول ؛ أن التعددية الإثنية و المذهبية في الدولة الرستمية کانت من أسباب ازدهارها الحضاري , کما کانت من أسباب ضعفها السياسي ؛ خصوصا إبان سنيها الأخيرة .