کان لتأميم قناة السويس صداه في الوطن العربي بوصفه مثلاً يحتذى به في مناهضة السيطرة الغربية، أما الغرب فقد عدّ القرار لطمة موجهة إليه خوفاً من أن يکون لهذا القرار صداه في الدول العربية الخاضعة للاحتکارات الغربية. ومنذ اللحظة الأولى بدا أنّ حکومتي فرنسا وبريطانيا قد قررتا استخدام القوة ضد مصر، إلا أن الولايات المتحدة الأمريکية لم تشاطرهما الرأي إذ کانت تفضل حسم الخلاف سلمياً عن طريق المؤتمرات لأنها کانت ترى أن استخدام القوة من الممکن ان يدفع بمصر والعرب کلهم إلى جانب الاتحاد السوفيتي.
وبعد أن تم عقد مؤتمرين في لندن ،وبعد سلسلة من المحادثات والمناقشات للنتائج المترتبة على قرار التأميم لجأت حکومتا بريطانيا وفرنسا إلى مجلس الأمن لکي يظهرا للرأي العام العالمي أنهما قد استنفدتا کل الوسائل السلمية ،ولم يبق أمامهما سوى التدخل المسلح ،وهو ما بدأ تنفيذه في 29/اکتوبر-تشرين الأول/1956 وما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر بالاتفاق ما بين بريطانيا وفرنسا والکيان الصهيوني.
وقف الاتحاد السوفيتي إلى جانب مصر ضد العدوان ،أما الولايات المتحدة الأمريکية فقد غضبت من حليفتيها الغربيتين لان هذا العدوان کان يبدو من وجهة نظرها ايذاناً بضياع کل الشرق الاوسط من قبضة الغرب في الحرب الباردة وهکذا ضغطت على لندن وباريس وارغمتهما على ايقاف العدوان.
أدّت حرب السويس إلى تزايد قوة التيار الثوري في العالم العربي بزعامة جمال عبد الناصر والى زيادة مؤيديه وانصار سياساته في کافة الدول العربية ،ومن ناحية أخرى فقد واکب ذلک تصاعد نفوذ الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط بما يعلنه من مساندة للحرکات القومية والتحررية. وفي ضوء تلک المتغيرات بدأت الولايات المتحدة بإعادة تقويم موقفها تجاه المنطقة وقررت ان تقوم بملء الفراغ الذي احدثه انحسار نفوذ الدول الاستعمارية الأوربية القديمة (بريطانيا وفرنسا) عن المنطقة. ومن هنا جاء اعلان الرئيس ايزنهاور عن سياسته الجديدة تجاه الشرق الأوسط التي سميت (مبدأ آيزنهاور) تضمنت المحافظة على استقلال أمم الشرق الأوسط وتقديم العون الاقتصادي أو استخدام القوة المسلحة لمساعدة أيّ أمة أو مجموعة من الأمم عندما تطلب العون ضد العدوان المسلح من جانب أيّ قطر خاضع للشيوعية الدولية.
أدى الاعلان عن مبدأ آيزنهاور إلى تکريس عمليات الاستقطاب إلى جانب کل من القطبين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) وازدياد حدة الحرب الباردة على المستويين العالمي والعربي. وقد شهدت المنطقة العربية خلال هذه المدة سلسلة من الأزمات المتلاحقة هي (الأزمة الاردنية عام 1957)، (الأزمة السورية عام 1957) و(التدخل الأمريکي في لبنان عام 1958) وقد اختلفت المواقف فضلاً عن السلوک المتبع من قبل کل من القوتين تجاه الاطراف الإقليمية المتصارعة وفقاً لمقتضيات التحالف أو العداء.
وانتهت هذه المرحلة العاصفة من تاريخ الشرق الأوسط بفشل السياسة الأمريکية (مبدأ آيزنهاور) وانتهت معها لعدة سنوات فکرة التدخل العسکري المباشر من جانب الدول الغربية في المنطقة الرئيسة من العالم العربي فضلاً عن اعتراف الدول العظمى بحياد المنطقة.