تأتى هذه الدراسة لتسهم فى ربط رؤى وسلوک الشباب الذين عايشوا ثقافة ثورتى 2011 و2013 عبر ثقافة ما بعد الحداثة؛ ومن ثم يمکن لنا أن نقول إن الهدف من هذا البحث هو معرفة کيفية تکيف الشباب المصرى مع ثقافة عصر ما بعد الثورتين، وإلى أى مدى تغلغلت خصائص ما بعد الحداثة مع ثقافة شباب هذا العصر؟ وهل تم تجاوزها لثقافة جديدة؟
وظفت الباحثة المنهج الأنثروبولوجى بأدواته: فجمعت بين أساليب جمع البيانات المختلفة من المقابلات المتعمقة والملاحظة بالمعايشة ودراسة الحالة وأساليب جمع البيانات لخطاب الحياة اليومية. وتم تحليل ثقافة شباب ما بعد الثورتين 2011 و2013 من خلال خطاب الحياة اليومية المتمثل فى الکلمات المميزة لحديث الشباب، وأقوال الحالات وتصرفاتهم، وفنون الإعلام من مقالات وکاريکاتير، وأقوال الإخباريين حول کل ما يعکس ثقافة الحياة اليومية، من أجل التوصل لمدى تغلل خصائص ثقافة ما بعد الحداثة فى ثقافة مجتمع البحث من الشباب، المقيم فى القاهرة من الطبقة المتوسطة ممن حصلوا على درجة علمية جامعية أو متوسطة وقطعوا شوطًا فى التعليم المفتوح. کما اعتمدت الدراسة أيضًا على إخباريين لديهم شبکة علاقات اجتماعية متشعبة مع عدد کبير من الشباب، من أبنائهم ومعارفهم وممن هم على صلة بهم، کما أن الباحثة قد قامت طوال فترة الدراسة بمعايشة الشباب، فأجرت معهم عدة مقابلات جماعية ودراسات حالة متعمقة مع من لهم القدرة على التعبير عن ثقافتهم، وقامت الباحثة بعد ذلک بتحليل المادة الميدانية فى ضوء القضايا النظرية لثقافة ما بعد الحداثة.
وقد توصلت الدراسة لعدة نتائج من أهمها: أن شباب مصر قد مارس سلوکيات مرتبطة بثقافة ما بعد الحداثة حتى قبل ثورة 25يناير، کما أنهم يحاولون الوصول إلى اليقين الذى - على حد قول الشباب - أصبح مستبعدًا؛ لعدم صدق رواة التاريخ، وتزييف تحليل بعض الحقائق والأحداث الجارية. وعلى الرغم من شکهم فى أن کل الحقائق ثابتة وإنکارهم صدق کل الروايات التاريخية، فإن معظم الشباب مازالوا يؤمنون بأنه على الأقل هناک حقيقة مؤکدة هى الوجود الإلهى، ولکنهم يلقون اللوم على قصور رؤى رجال الدين التى لا تتناسب مع العصر، کما أن الشباب يرون فى تسليع المرأة وتوحش الرأسمالية وسيادة التکنولوجيا لحد التشاؤم منها خصائص لها أساس فى الحداثة تطورت فى ثقافة ما بعد الحداثة، ومما سبق توصلت الدراسة الميدانية إلى صعوبة وضع حد فاصل بين ثقافة الحداثة وثقافة ما بعد الحداثة لدى شباب ما بعد الثورتين إذ قد بدأت تظهر خصائص ثقافة جديدة؛ تأخذ موقفًا وسطيًا بين هاتين الثقافتين، وتتفق مع ما أطلق علماء الاجتماع المعاصرون عليه ثقافة ما وراء الحداثة.