شغلت قضية (اللفظ والمعنى) عدداً کبيراً من العلماء، ولم تقتصر على النقاد والبلاغيين، بل خاض فيها المفسرون والأدباء والفلاسفة وعلماء الکلام، وحتى أهل اللغة والنحو.
وساعد على ظهور هذا الاختلاف في قضية (اللفظ والمعنى) تلک الطريقة التي تعامل بها هؤلاء مع هذه القضية، فمنهم من تعامل مع کل طرف على حدة، إما (اللفظ) أو (المعنى) بما يحمله کل منهما من دلالة خاصة به، وفريق ثالث تعامل مع الطرفين معا إذ لا لفظ من غير معنى، ولا معنى من دون لفظ، فصار هذا الفريق أقرب للصواب.
ويوجه هذا البحث اهتمامه إلى الاختلاف حول هذه القضية النقدية بين کل من الأخوين (الشريف المرتضى) و (الشريف الرضي)، ويرجع أصل هذا الاختلاف بينهما إلى طريقة تعاملهما في تحليل النصوص، فالشريف المرتضى، عنى في شروحه بالشعر، فقد وقف أمام ما قاله الشعراء في کتابه (الشيب والشباب) من أبيات ووازن بينهما، وحاول الکشف عن سر جمالها، فوجده راجعاً إلى عذوبة الألفاظ، وروعة العبارة وسلاسة الأسلوب، بينما جاء کثير من المعاني مکرراً، أو مشترکاً بين أولئک الشعراء، والأمر نفسه فيما يتعلق بکتابة المعنون بـ (طيف الخيال).
أما الشريف الرضي، فقد عنى بمجازات القرآن والحديث في المقام الأول، واهتم بالکشف عن الدلالات المجازية، والمعاني المقصودة في الاستعارات، وحرص على تأويل تلک النصوص بما يتفق مع المراد منها، وليس مهماً – بالنسبة له – طريقة عرضها مادامت لا تخرج عن المتعارف عليه عند العرب.
وساعد على وضوح موقف کل من الأخوين تجاه قضية (اللفظ والمعنى) بعض العبارات التي وردت لکل منهما في هذا الشأن، ولعل ابرز أقوال (الشريف المرتضى) في ذلک قوله "حظ الألفاظ في الکلام الفصيح – منظوماً ومنثوراً – أقوى من حظ المعاني". أما أخوه (الشريف الرضي) فقد اشتهر عنه قوله في الشأن نفسه: "إن الألفاظ خدم للمعاني، لأنها تعمل في تحسين معارضها وتنميق مطالعها" وکأن في هذين القولين إعلاناً واضحاً عن موقف کل منهما إثراء قضية (اللفظ والمعنى).