قطنت القبائل العربية بلاد الشام منذ فترة طويلة مضت، يُرجح أنها منذ الألف الثالث قبل الميلاد، ولذا فلم تکن غائبة عن الأحداث السياسية والعسکرية البارزة التي مرت على المنطقة، وستحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الدور العسکري لعرب المشرق ضد الصليبيين في بلاد الشام خلال عهد الدولتين الزنکية (521هـ-569هـ/1127-1174م)،والأيوبية(569-648هـ/1174-1250م) اللتان تولّتا مسؤولية الجهاد ضد الصليبيين خلال القرنين السادس والسابع الهجريين/ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، هذا الدور الذي لم يقتصر على مجرد مشارکات استثنائية لجمع المعلومات عن جيش العدو، أو إقامة الکمائن، أو إرشاد الجيوش في مسالک الصحراء، بل کان دوراً عسکرياً نظامياً طوال فترة المقاومة للکيان الصليبي في الشرق الإسلامي. کما أن الدافع المحرک لهذه القبائل لم يکن دافعاً مادياً بحتاً، کما رأى بعض الباحثين،وإنما کانت هناک دوافع أخرى فرضتها عليهم هويتهم الإسلامية والعربية،والتي تحثهم على مقاومة هذا الکيان الغاصب. وتنطلق الورقة البحثية بداية بعرض لأهم القبائل القاطنة في بلاد الشام خلال تلک الفترة، ثم ذکر لأبرز المعارک التي شارک فيها العرب بدور ملحوظ، وأثر هذه المشارکة على نتائج المعرکة، وسيتخلل هذا العرض قراءة لصورة الفرسان العرب في المصادر المعاصرة وفي أعين القادة الزنکيين والأيوبيين.