يتصف الشاعر الأمريکي إي إي کمنجس (1894-1962) بجرأته في تجربة قوالب شعرية مستحدثة والعدول عن الأنماط اللغوية المعيارية. ومن ثمَّ يحظى نظمه الشعري غير المألوف، وکذا إمکاناته البلاغية المبهرة بسحر خاص يتجلى في اهتمامه الشديد بالشعر والرسم.
وترکز الدراسة في تحليلها على سمة (التصدير)؛ وهي سمة أسلوبية بارزة في شعر (إي إي کمنجس). کما ألقت الضوء على الجوانب السيميائية في نصوصه الشعرية؛ حيث أضاف ظلالا دلالية جديدة في قوالبه الشعرية استحقت البحث والدراسة.
تستهدف الدراسة الأسلوبية الآتي:
أولا ــــ إبراز الأثر الشعري لأدوات (التصدير) الأسلوبية، وکيفية توظيفها في قصيدة (رحلت حبيبتي ممتطية في اللون الأخضر) موضوع الدراسة.
ثانيا ـــــ الکشف عن إمکانية استخدام النظم الوظيفية لطرائق تحليل الخطاب المتعددة وتطبيقها على العمل الأدبي.
ولتحقيق الهدفين السابق ذکرهما ؛ طبقت الباحثتان نظرية (ما فوق وظائف القواعد)، کما طبقتا (نظرية النحو المصور) بوصفهما أساسا للتحليل اللغوي. کما ناقشتا ظاهرة غلبة السيميائية اللفظية والعدول الأسلوبي على نص إي إي کمنجس ، وخلق آفاق شعرية مصورة في نصوصه ذات دلالات وظلال شعرية جديدة.
يتضح من خلال البحث أن العدول اللغوي يخدم (التصدير) بوصفه ظاهرة أسلوبية ملحوظة في قصيدة کمنجس. الأمر الذي يصل بالقارئ من خلال فهمه للدور الوظيفي لظاهرة العدول إلى تفسيرات صحيحة للقصيدة ککل.
إن القصيدة موضوع الدراسة کانت بمثابة بوتقة اختلطت بداخلها الأدوات النحوية غير المتجانسة والمعيارية لتشکل النسيج النحوي للأربعة عشر مقطعًا. حيث جمع الشاعر بين العديد من أنماط العدول والأنماط المعيارية من خلال توظيف ظاهرتي التکرير والتوازي لنظم قصيدة غنائية تتسم بالسهولة واليسر؛ الأمر الذي يتيح للقارئ الانخراط في بنية القصيدة الشعرية من البداية حتى النهاية.
إن الأدوات اللغوية والأسلوبية المختلفة التي وظفها الشاعر لم تلعب دورًا في تشکيل استعارة مستحدثة مبتکرة امتدت عبر القصيدة فحسب، ولکن ساعدت هذه الأدوات بشکل ملحوظ في تحقيق التماسک البنيوي للقصيدة. کما نلحظ دور العدول البنيوي الداخلي ـــ بوصفه سمة أساسية من سمات أسلوب کمنجس الشعري ــ في تکريس التناغم والتضاد داخل القصيدة المشکلة من ترکيبات متسقة ومتوازية.
ولقد عزز الشاعر ظاهرة العدول عن الأنماط الشعرية المعيارية ليقدم أشکالا وأنماطا متباينة المستوى نلحظها في بنية القصيدة الشعرية؛ ليجعل منها قصيدة غنائية تصاحبها الموسيقى مفعمة بالحرکة.
وقد توصلت الباحثتان إلى أن أدوات (التصدير) المنتشرة في القصيدة ـــ موضوع الدراسة ـــ قد نظمها ووظفها الشاعر توظيفا دقيقا. وعلى الرغم من هذا التنظيم الدقيق فإنه ليس کافيًا توظيف أشکال لغوية غير معيارية بعينها دون غيرها في هذا النص الأدبي توظيفا منطقيًا؛ حيث يبدو جليًا أن الشعراء يستخدمون غالبا أدوات عديدة ومختلفة للتعبير عن رؤاهم الجمالية والدعائية؛ لتجسيد هذا الجمال في أشعارهم. کما أن اختلاف الشعراء يرجع أيضا إلى اختلاف فکرهم الأيدولوجي وطرائقهم في توظيف سماتهم الفنية والأسلوبية للتعبير عن هذه الإيدولوجية.