النقد هو أساس أثمان المبيعات، وقيم الأعمال والأجور، وغير ذلک في کافة شئون الحياة، وخاصة فيما يتعلق بالمعاملات المالية في الدولة؛ ولذا کان لابد من وضع سياسة نقدية جيدة، تنهض بالاقتصاد، وتعمل على رفعة البلاد وتقدمها؛ ومن ثم أنشأت داراً لضرب النقود، تسک بها العملات المعدنية، بمواصفات ونسب صحيحة محددة، يشرف عليها المحتسب، الذي يتولى مسئولية ادارة کل المعاملات التجارية والمالية في الدولة المملوکية.
وقديماً کان النقد جميعه من العملات الذهبية والفضية، وقد عرفت مصر النقود قبل الفتح الإسلامي؛ وکان بها تعاملات بمثاقيل الذهب والفضة، اشتهرت بأسماء وأوزان مختلفة، مثل "الدراهم السوداء الوافية"، التي صنعت باليسير من الفضة والغالب عليها معدن النحاس.
ونظراً لوجود سلع وأشياء قليلة القيمة الشرائية، مثل الخضر والفواکه وما شابه، والتي تباع بأقل من ربع أو ثمن الدرهم، ولا ترقى لأن تقوّم بالفضة البتّة، رأت الدولة أن تسک عملات من معدن النحاس، لرخصه نسبياً، فضربت عملة نحاسية، سميت "بالفلوس"؛ وجعلت لهذه العملات نسب منضبطة، وصارت تسک بدار الضرب، مثل مثاقيل الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية.
ولکن دخل الکثير من الغش على النقد، حتى يستفيد الفاسدون من فارق العملة، التي کان السلاطين يضربونها في دار الضرب، ثم يطرحونها على الصيارفة بالأسواق، لتقوّم بها شتى المعاملات التجارية وغيرها في البلاد.
وقد تعامل سلاطين المماليک أيضاً بالعملات الأجنبية، مثل النقود "الأفرنتية" الفرنسية، و"الدوکات" التي کانت تضربها مدينة البندقية بإيطاليا، وذلک فيما يتعلق بالتبادل التجاري بينهم وبين تلک الدول الأوربية.
ومن العملات المميزة التي ترکها سلاطين المماليک، وحفلت بها الکتب التي صورت ذلک النقد المعدني الثمين، ما ضربه السلطان الظاهر بيبرس (658 – 676هـ / 1260 – 1277م، من الدنانير الظاهرية الذهبية، التي نقش عليها رنکه (رمزه وشعاره)، وهو "رسم الأسد"، کما سک الدراهم الفضية الظاهرية، وکتب کذلک على العملات تاريخ إصدار العملة ومکان ضربها؛ ثم توالت بعد ذلک العملات المملوکية، الذهبية والفضية وأيضاً النحاسية، إلى نهاية العصر المملوکي.
وکان کل سلطان يعتلي عرش البلاد، يلغي ما ضربه الملک السابق من العملات، ويسک باسمه عملة جديدة، ينقش عليها شعاره ورنکه، ويکتب تاريخ الإصدار ومکان الضرب؛ ثم يمنع التعامل مع النقد السابق، ويجعل عملته فقط هي المرخص بتداولها في کافة التعاملات بالدولة.