اتفق معظم الباحثين على أن فيلون السکندري(20ق.م- 50 م.) يُعد من أهم أعلام المدرسة السکندرية الفلسفية، والتي ظهرت في مدينة الأسکندرية في القرون الثلاثة الأولى للميلاد، والذي ترک العديد من المؤلفات کتبها کلها باللغة اليونانية.
ويُشکل مفهوم النفس واحداً من أهم المفاهيم البارزة في کتابات فيلون اليهودي؛ إذ يُمثل لديه أحد الوسائط الأساسية التي يستطيع من خلالها الإله الاتصال بالإنسان وبالعالم.ولقد تناول فيلون مفهوم النفس تناولاً حاول فيه التوفيق بين المفهوم في العهد القديم الذي يُشکل مصدر ديانته وبين آراء فلاسفة اليونان منذ فجر الفلسفة اليونانية وحتى الفترة التي عاصرها.
ولقد نبع اختيارنا لموضوع هذا البحث من رغبتنا في سبر أغوار الأدب اليهودي الهيلنستي، وتقديم بحث باللغة العربية في هذا المجال الذي تندر فيد الدراسات باللغة العربية على الرغم من اهتمام الباحثين، والأکاديميين الغربيين به. وقد حرصنا أيضاً في اختيارنا أن ندرس هذا الأدب في مدينة الأسکندرية التي تُعد مرکزاً مهماً من مراکز هذا الأدب، الذي استمر لما يقرب من ثلاثة قرون. کما حرصنا على الإلمام، والإطلاع على کافة المؤلفات التي دونها فيلون.واستخدمنا في دراستنا للمفهوم لديه المنهج التحليلي المقارن؛ حيث سنقوم أولاً بتحليل المفهوم محل الدراسة في نصوص الفسفة اليونانية، ونص العهد القديم، ثم تحليل ما جاء منه في کتابات فيلون، ثم سنعمد إلى المنهج المقارن للوقوف على أوجه الاختلاف، والاتفاق، ومصادر التأثير في کل من المصدرين.
ومن خلال دراستنا الدقيقة لمفهوم النفس لدى فيلون نرى أن فيلون لم ينجح کلية في محاولة التوفيق تلک حيث أنه في تشکيله لملامح مفهوم النفس لديه لم يتبع صورة النفس في العهد القديم، ولکنه کان تابعاً ومخلصاً لصورة النفس في کل من الأسطورة، والفلسفة اليونانية؛ فأخذ ينهل منهما دون توقف في معظم کتاباته، بل إنه -وکعادته دائماً- أخذ صوراً من مدارس عدة، وحاول التوفيق بينها وبين ما جاء في العهد القديم من صور عن النفس، ولکنه عجز في أن يرسم صورة واحدة تعکس للقارىء مفهومه الخاص به عن النفس.