شهدت منطقة الخليج العربي – التي هي في القلب من الشرق الأوسط – خلال القرن العشرين صراعا على الهيمنة الإقليمية بين إيران والعراق، في تجلٍّ للتجاذبات بين الحضارتين الفارسية والعربية. وقد تعرضت التوازنات في المنطقة للتغير بشکل جذري مع غزو الولايات المتحدة للعراق في العام 2003. فقد أعطى الغزو الأميرکي، والذي أدى إلى سقوط نظام صدام حسين، فرصة فريدة من نوعها لإيران لإعادة صياغة دورها داخليا وإقليميا. وکان من بين أهم نتائج الحرب اغتنام إيران الفرصة لتتمدد إستراتيجيا في الشرق الأوسط ککل وفي منطقة الخليج بصفة خاصة، محققة تفوقا حاسما على العراق. وقد بدأت الإدارة الإيرانية بعد غزو العراق في إعادة هيکلة علاقاتها مع بغداد. وانتهجت طهران – على نطاق واسع – مستفيدة من الفراغ الأمني في العراق، سياسةً حاولت فيها التأثير في القطاعات السياسية والعسکرية والدينية والاقتصادية في جارتها.
وقد ترتب على صعود القوى الشيعية في العراق، والذي أعقب عملية الاجتياح الأميرکي، انقلاب في العلاقات الإيرانية – العراقية. وقد وجَّهت إيران سياستها في العراق – في السياق الجديد – نحو طرح العداوات التاريخية بين البلدين جانبا، وتطوير علاقاتها بالجماعات الشيعية العراقية، وحاولت فرض نفوذها على الشأن الداخلي العراقي، مستندة إلى علاقاتها الوثيقة بالمکون الشيعي في العراق، بغية الحيلولة دون إسقاط الولايات المتحدة للنظام في طهران أو الإضرار بالأمن القومي الإيراني. وتعکف هذه الورقة على دراسة جذور السياسة الإيرانية تجاه العراق خلال فترة الاحتلال الأميرکي (2003 – 2011)، ودور الهوية، والتصورات الإيرانية والعراقية، وأهداف طهران وإستراتيجياتها المختلفة.