لقد أصبح مصطلح التناص ذا دور مؤثر في مجال الدراسات النقدية المعاصرة لما له من الذيوع و الانتشار ، وبخاصة في المرحلة الأخيرة التي تبوأ فيها بوضوح مکانه بين المصطلحات والمناهج النقدية الحديثة ، وذلک انطلاقًا من أن لکل نص أدبي علاقة تفاعلية بعدد آخر من النصوص المکتوبة قبله أو المتخيلة القائمة في ذاکرة المؤلف وتجاربه وثقافته ، ونصوص أخرى من حياة کل قارئ و ثقافته تستدعها إلى الوعي (وإلى اللاوعي أيضًا) کل قراءة جديدة، وبهذا الشکل يکون المعنى المتولد في ذهن کل من المؤلف ثم في ذهن القارئ هو نتاج جماعي (اجتماعي) من ناحية وفردي (ذاتي) أيضًا من ناحية أخرى.
وللتناص استراتيجيات متشعبة وتقنيات متنوعة يصعب تتبعها بکليتها في نص شعري واحد؛ ذلک لأن هذه التقنيات لها مستويات من الحضور والغياب بحيث يظهر بعضها ليختفي البعض الآخر، ثم ما يلبث أن يظهر ما اختفى في تجربة أخرى، وهکذا تظل هذه الآليات مراوغة تتأبى على الظهور مجتمعة في نص واحد مهما بلغ ثراء هذا النص.
ومن ثم فإنني سأتوقف في هذا البحث عند تقنـية مـن تقنيات التنـاص في قـصائد شـعراء الستينيات، ألا وهي آلية الاستدعاء بأنواعها الآتية:-آلية الاستدعاء بذکر الاسم (العلم) ، وآلية الاستدعاء بالقول ، وآلية الاستدعاء بالدور.