* يلاحظ أنّ الدراسات الأدبية التي دارت حول شعر العصور المتأخرة قليلة بالقياس إلى التي دارت حول العصور الأولى ، مثل العصر الجاهلي والأموي والعباسي المُتقدّم .
* والسبب أنه ما يزال يُشاع أنّ شعر تلک العصور المتأخًرة ( العصر الأيوبي والمملوکي والعثماني) ليس أکثر من رجع صدى، أو محاکاة للعصور الأدبية الأولى ، حتى سمّاها بعضهم " عصورَ الانحطاط".
* ولا ريب في أن هذا الرأي مُبالَغ فيه ، ويحتاج إلى تحقيق وإعادة نظر ، ذلک أننا قد نجد في بعض أغراض هذا الشعر المتأخّر حياة خصبة نابضة وتصويراً صادقا ً للأحداث وظروف الناس .
* وللتدليل على صحة ذلک ، فقد اختار هذا البحث جانباً مهّماً من شعر الجهاد، وهو الدور الإعلامي الکبير بل الخطير الذي کان يؤدّيه بعض الشعراء بأمانهّ وإخلاص ، فکان أنْ بيّن هذا البحث کيف کان شعرهم حينذاک وسيلة الإعلام " الأولى" في متابعة أحداث المعارک ، وکيف کان يصوّرها لعامة الناس بصدق وانفعال وسرعة، محرِّضاً الجماهير على ضرورة التصدي لقتال الصليبين، حَاضّاً الحکّامَ على تحرير القدس وسائر الأرض المحتلة، معرَّضاً بالمتقاعسين منهم عن الجهاد ، وبعد أن صور البحث هذا کله انتقل إلى دراسة هذا الشعر من الناحية الفنية ، من حيث استلهامه للتراث الشعري ، ومعارضته الفنيه له، وإبداعه الخاص به، مبيّناً مدى تَهافُت هذا الرأي الشائع ، وهو أنّ هذا الشعر يقوم على التقليد والمُحاکاة ليس غير،..... حتى المحسنات البديعية التي کانت شائعة في ذالک العصر ، فقد بيّن البحث أنها کانت قليلة ومقبولة في شعر الجهاد ذلک لأن الشاعر وهو يصور المعارک، کان منفعلاً أشد انفعال، مسرعاً أکبر إسراعٍ في تبشير الناس المُترقّين بالنصر، أو إخطارهم بهجوم العدو الوشيک، ودعوتهم إلى النفير، وإذن لا وقت لديه لإِضاعته في تکّلف المحسنات البديعية .
وبعد أن بيّن البحث هذا کله خلص إلى أهم النتائج التي تمخّض عنها من خلال الدرس والاستقصاء.