في رواية "عن والدتي" للکاتب المغربي طاهر بن جلون " يقدم الکاتب تقديس و احترام رفيع المستوي إلى الأم الحبيبة التي وضعت مولودها ورافقته في درب حياته دون أدنى شکوى وهکذا يأتى الوقت المناسب للکاتب الإبن ليحمل بدوره يدأمه الغالية لقيادة خط سير حياتها متحملاً بکل حب مخاوفها وألامها وضعفها تجاه مثواها الأخير و بکل تبجيل محترمًا عاداتها ومعتقداتهآ.
المؤلف يکشف أسرار حميمة عن والدته بعدإصابتها بمرض الزهايمر: هذا المرض الذى يفقد فيه الفرد قوته البدنية والعقلية خاصة في مرحلة الشيخوخة حيث تنغلق ذاکرة المريض في الماضي البعيد المدى مبتعدًا تمامٌا عن کل مايجرى حوله فى الأحداث اليومية، وينسى أحيانا أقاربه الذين يشهدون يوميًا على ضعف و هذيان الجسد والروح. ينجح الکاتب في الکشف عن الذکريات المدفونة في ذاکرتهآ السرية بکل تفاصيلها الدقيقة والتي کانت کامنة بداخلها إحترامًا للحياء والتقاليد العربية.
الأبن البار يقضي أيامًا کاملة مع والدته للاستماع إلى المحادثات المضطربة المدفونة بداخلهآ على فراش الموت، و نجح الراوى فى تحرير وإختراق کل مايؤلم والدته من أسرار للتخفيف عن معانتها النفسية. هذه الرواية تمثل شهادة عظيمة لأم أعطت معنى لحياتها وإمرأة أمية شجاعة من خلال محبة أطفالها ، ينجح الکاتب في تکوين ونسج معنى جميل لحياة أمه من خلال وجود هذه الأم بکل ماتعايشته فى رحلة حياتها فى فترة سنوات الأربعينات بالمغرب،ومايتميز به هذا العصر من السطحية والمتع البسيطة. تمثل السيرة الذاتية لهذه الرواية حياة الأم مجزأة على شرائح متفرقة ومجزآة طبقًا لاعتراف الأم بأسرارها الکامنة بداخلها. ومن خلال هذآ الموضوع العاطفي يکشف الکاتب الأبن عن تدهور الإنسانية الناجمة عن المرض والضعف الإنسانى و معاناة ألم الفراق عن أحباءنا الذين لايمکن أن نتساهم فى هذه الحياة.
وأخيرا، فإن أصالة الکاتب تکمن في مهارته باءلتقاط جميع جوانب التقاليد والثقافة العربية في بلاد المغرب بکل سلاسة مع التوازى لأحداث الحياة اليومية للنساء وخاصة القضايا المصيرية في المجتمع العربي والمرتبطة بکل مايدور فى ذاکرة وخيال المظلومين من ضحايا المجتمع الرجعى.