کانت إيثيريا إحدى المسيحيات القادمات من غرب أوروبا للقيام برحلة حج إلى فلسطين. ولا تقف أهمية الرحلة التي قامت بها عند زيارتها للأماکن المقدسة في فلسطين فحسب بل لأنها مکثت ما يقرب من ثلاث سنوات في الشرق زارات خلالها الأماکن الدينية في مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين أيضا؛ وبهذا تعطينا رحلتها صورة تاريخية مهمة باکرة عن البقاع الدينية في الشرق القديم في القرن الرابع الميلادي وصورة أيضاً عن الاحتفالات والأعياد الدينية النصرانية في تلک الفترة؛ ولعل هذا ما جعل رحلتها تحتل أهمية بالغة بين المؤرخين لاسيما وأنها دونت باللاتينية، لغة الغرب الأوروبي آنذاک وليس باليونانية لغة الشرق النصراني، مما جعل لها رواجاً وسمعة ذائعة بين الأوساط الدينية الأوروبية لاسيما الکاثوليکية.
وبناءً عليه فإن هذا البحث يهدف إلى الغوص في تفاصيل تلک الرحلة للخروج بصورة تاريخية تعکس شکل ووضع المزارات الدينية في مصر والشام في القرن الرابع الميلادي، وما کان يجب على الحاج المسيحي أن يقوم به أثناء زيارته إلى الأراضي المقدسة في الشرق لاسيما في فلسطين؛ وهي التفاصيل التي تعکس أهمية الشرق العربي منذ العصور القديمة وکيف أنه کان يشکل أهمية خاصة عند الأمم الغربية النصرانية.