لقد احتلتْ أرجوزةُ بشَّارٍ مکانةً في شعرنا العربي، وکان لها حضورُهَا القوي وأثرُها على أراجيز الشُّعراء الذين جاؤوا من بعده، وليس ثمة شک في أن بشارًا قد وَفَّرَ لها من المقوِّماتِ الفنيةَ ما يجعلها تحتل هذه المکانة البارزة، وقد کانت الشعبيةُ واحدةً من المقومات التي استند إليها في توفير هذه المکانة. وتحاول هذه الدراسة إظهار الأسس التي اعتمد عليها بشار في توفير الشعبية لهذه الأرجوزة، وهل کان الطابع الشعبي وسيلة من وسائل بشار في توفير الجودة والشهرة لهذه الأرجوزة؟ وما الوسائل التي انتهجها بشارٌ في توفير هذه الشعبية؟.
أما عن منهج هذه الدراسة فهو محاولة الانطلاق من أعماق هذه الأرجوزة وثناياها لمعرفة الدعائم التي ارتکز عليها بشار في توفير الشعبية لهذه الأرجوزة؛ بما يعني معاودة قراءة الأرجوزة والنظر إليها من القرب ومن البعد؛ حتى تکشف شيئا من أسرارها، وتنطق بدعائم الشعبية التي حققها الرجل.
واستطاع بشارٌ بهذا الصنيع أن يحتل مکان الصدارة في تحقيق الشعبية للرجز في العصر العباسي، وهو رائد الشعبية في الشعر الرجزي في هذا العصر، ولعله يمثل قبلة لأعلام الشعراء الذين طرقوا الشعبية في الرجز وتلمسوا طريقتها، وهکذا تماهى بشارٌ في الشعبية وأدمنها؛ فتماهت الشعبية في بشار، وجعلته يتربع على عرش الإبداع العباسي في جانبيه القصيد والرجز على حد سواء؛ فلقد کان بشارٌ فارسًا موهوبًا استطاع ترويض جواد الشعبية لقياده؛ فلم يغادر هذا الفارسُ صهوةَ فرسِهِ إلا بعد أن وصل به إلى ما يريد.
يبقى القول في التوصية: إذا کان الطابع الشعبي الذي ألحَّ عليه بشارٌ في هذه الأرجوزة السببَ في شهرتها وذيوعها؛ فإن الطابع الشعبي يحتل موضع القلب في مجمل إبداع الرجل، ويمثل ظاهرة حاضرة في شعره، وهي ظاهرة بحاجة إلى أقلام جادة تکشف عن طبيعتها وأدواتها وصورها.