يقصد هذا البحث لاستنطاق جملة القراءات التي دارت حول مقامات بديع الزمان الهمذاني، والذي يُعتبر رائد المقامات الأول وأبرزها، إذْ ليس فيما أُثر عن العرب مقامات سابقة على مقاماته بنفس طبيعة بنائها، وإنْ کان هناک بعض الإرهاصات لهذا الفن. إنّ جملة القراءات حول المقامات کانت عبارة عن تعليقات عابرة، وملاحظات ذوقية انطباعية، وتأثر بها لا يشير إليها، فلم تذکر لنا مصادر الکتب وتراجم الأدب أنّ هناک من تصدى لشرح مقامات الهمذاني کلّها أو حاول تفسير معانيها وشرحها من جوانبها المتعددة لغوياً أو نحوياً أو بلاغياً.
إنّ تلقي مقامات بديع الزمان اتّسم بالخجل مقابل ما لوحظ من اهتمام بمقامات الحريري التي ظهرت لاحقاً في القرن السادس الهجري وطغت عليها. وقد انطلق الدارس من نظرة العرب للقصة العربية بشکل عام، وکذلک نظرتهم للقاص وأثر هذه النظرة على تلقي مقامات الهمذاني، حيث إنّ تلقيها بشکل غير صريح والمحاولة في الابتعاد عن شکل المقامة الأصلي هو جزء من رؤية العرب لطبيعة القصة واعتبارها نمطاً متدنياً في النثر العربي بالنسبة للأنماط النثرية التي کان يتفوق بها العرب آنذاک کالخطابة والرسالة. فکانت المحاولة هنا رصد تلقي العرب للمقامة کأحد أشکال الکتابة الفنية، وتقبلهم لهذا النوع من الکتابة.