فتح العرب المسلمون مصر على يد القائد الفذ عمرو بن العاص عام 22هـ/ 642م، فتوافد العرب (بدو الجزيرة العربية) على مصر للعيش فيها والإستقرار على أراضيها، غير أنهم في هذا الإستقرار ظلوا متمسکين بسماتهم البدوية الصارخة، وبعد عدة سنوات اندمج العرب مع المصريين وصاهروهم، بل واحترفوا مهنتهم الأولى" الزراعة"، غير أن هذا الإندماج جاء من فئة قليلة من العرب في مصر لا کل العرب، فظل جزء منهم متمسکاً بعاداته وتقاليده البدوية في کل شئ عبر عصور الدولة الإسلامية، وفي العصر المملوکي- وبخاصة الجرکسي( 784-923هـ/1382-1517م)- تميزت العلاقة بين العرب أوالعربان- کما أطلق عليهم في العصر المملوکي- والسلطة الحاکمة بطابع خاص هو الرفض والاحتجاج في أغلب الأوقات فالعرب أو "العربان" لم ينسوا للمماليک تاريخهم الطويل في الرق والعبودية، ورفضوا أن يعلوا عليهم أو يحکمهم من مسه الرق من قبل، وعبروا عن ذلک بثورات عديدة واحتجاجات کثيرة منذ اللحظة الأولى لحکم المماليک، ثورات استمرت طوال العصر المملوکي" البحري والجرکسي" ثورات کان من شأنها التأثير السلبي على حالة البلاد السياسية والإقتصادية على حد سواء.
وما نود أن نسعي إليه من خلال هذه الورقة البحثية أن نلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين " العربان" والسلطة الحاکمة في مصر في عهد المماليک الجراکسة على وجه التحديد، وهل خضعت هذه العلاقة لنمط واحد هو الطاعة أم الرفض والاحتجاج، وما مظاهر هذا الرفض، وما مظاهر الطاعة إن وجدت مع رصد للنتائج المترتبة على هذين النمطين بوجه عام.