إن من بين الآثار التى خلفها العصران الرومانى والبيزنطى الرسومات الفسيفسائية والرسوم الجدارية التى تجسد زراعة العنب ومعاصر النبيذ التى يشير وجودها إلى کثرة النشاط الزراعى لسکان المنطقة آنذاک. وقد کان لمحصول العنب أهمية کبيرة عند الرومان والبيزنطيين الذى يصنع منه شراب النبيذ, وهو الشراب المقدس فى الديانة الوثنية والمسيحية, فهو يرمز إلى الإله باخوس عند الرومان وإلى السيد المسيح فى الفترة المسيحية. وقد نفذت أغصانه وقطوفه بکثرة على الأرضيات الفسيفسائية فى الکنائس, ولا تکاد تخلو أية کنيسة من رسومات تظهر نبات العنب ,وهناک رسومات توضح المراحل التى يمر بها نبات العنب بدأ من مرحلة القطف حتى ظهوره فى صورة نبيذ. کذلک ظهرت مثل هذه الرسومات على المعابد الرومانية المخصصة للإله باخوس.
کما أقيمت معاصر لنبات العنب واستخراج النبيذ فى مواقع عدة اشتهرت بزراعة العنب ,وقد ظهرت عدة أنواع من هذه المعاصر ,وتفيد دراسة هذه المعاصر فى الکشف عن النواحى الزراعية والتقنية فى مرافق التصنيع الغذائى فى مجال زراعة العنب وإنتاج النبيذ ,لذلک فإن الانتشار الکثيف لمعاصر العنب فى کل من الأردن وفلسطين يمثل ظاهرة تستحق البحث والاهتمام.
وهذا البحث محاولة لتوضيح زراعة العنب وتصنيع النبيذ والتوزيع الجغرافى لزراعة العنب والمعاصر فى المناطق الشمالية الغربية فى کل من الأردن وفلسطين, وعرض لأهمها من نواحى المساحة والحجم والعدد وطبيعة العمل فيها ,وعقد مقارنة بينها ,من أجل تفسير أوجه التشابه والاختلاف بينها, للوصول إلى نتيجتين: الأولى؛ أن العنب لعب دورا مهما فى الفترتين الرومانية والبيزنطية ,لکونه محصولا اقتصاديا مهما من الناحية الاقتصادية ,ومعرفة أهمية النبيذ فى الديانة المسيحية, ولذلک تطلب الأمر إيجاد مرافق خاصة لاستخراجه ,من أجل استخدامه فى أمور الدين والدنيا ,والأخرى؛ أنه يمکن القول بوجود وحدة عامة فى إنتاج هذا المشروب ,من خلال تشابه هذه المعاصر ,من حيث الإطار العام ,وطريقة عملها فى استخراج النبيذ.