منذ أن انتقلت البنيوية إلى المجالين النقدي والأدبي وتلقفتها النظريات الحداثية شاع الاعتقاد بإمکان دراسة النص في عزلة عما يحيط به فيزيائيًا واجتماعيًا وتاريخيًا، وقد حاول لويس هيامسليف Louis Hyemslev أن يصوغ هذه الفکرة بما عرف بمصطلح "المحايثة" immanence، وکان تشارلز ساندرس بيرس Charles Sanders Peirce (1839- 1914) قد سبقه بفکرة السيرورة أو "السميوزيس" semiosis التي تعني أن العلامة تدل على علامة أخرى ثم تدل تلک العلامة المدلول عليها بالعلامة الأولى إلى علامة ثالثة وهکذا تستمر الدلالات على هذا المنوال، وقد حاولنا في هذا البحث أن نبرهن على أن مفهومي المحايثة والسيرورة -وإن صلحا نسبيًا للنصوص الأدبية- غير مناسبين للنصوص المقاصدية؛ وذلک لأنهما يتضمنان توجهًا نحو تجريد الجزئيات والنهج نحو الکليات، ومن ثم إلغاء الواقعي لصالح إغناء الذهني، ويؤول هذا الأمر إلى خلق عالم ذهني بديل للواقع الحقيقي؛ لأن الموجود الحقيقي إنما هو الجزئي، أما الکلي فلا يوجد إلا في الذهن. وسنحاول أن نبرهن في هذا البحث على أن مقاربة التوجّه نحو الجزئي الواقعي الناشئ عن الربط بين النص وسياقاته المرجعية المقارنة له هي الکفيلة بالکشف عن مرادات المخاطِب، الذي هو المقياس المعوّل عليه في نجاح عملية التخاطب المقاصدي.