هذه الدراسة لسياسات السرد في رواية دانيال ديفو روبنسون کروزو تفترض تماثلاً بين النص السردي والجزيرة المتخيلة يوحي به وصف کل من إيان واط وإدوارد سعيد للجزيرة بأنها "إمبراطورية شخصية" و"إقطاعية". ويبين المسح النقدي للفضاء السردي للرواية في مراحلها الأربع أنها تسعى إلى محاکاة البنية السياسية الإقطاعية من حيث علاقة السارد بغيره من البشر والأشياء. فقد خلق ديفو کروزو ليکون حاکمًا لنص روائي قبل أن يکون حاکمًا لجزيرة. وبذلک فإن دراسة سياسات السرد تصب في فهم آليات الحکم للنص والجزيرة معًا. يبدأ کروزو حياته بطلب الاستقلال، ويتطور تدريجيًا حتى يسعى إلى الهيمنة على النص والجزيرة مستخدمًا مجموعة من الاستراتيجيات النصية والسياسية التي تتيح له الانفراد بالسلطة. من هذه ما نقترح تسميته "منظمات النمو" وهو مصطلح مستعار من علم الأحياء، وهي آليات يتحکم بها الکائن الحي في نمو أعضائه بدرجات تتسق مع طبيعة بنيته. من هنا، تتحکم قوتان بالنص الروائي: قوة التوليد والنمو، وقوة الکبح، والتفاعل بينهما هو مصدر الحياة للعمل کله. يحکم عالم هذه الرواية نموذج فکري من ثلاثة عناصر: "حفظ الذات والحصول على أسباب الراحة الآمنة واستجلاب العون غير المشروط". ولکن هذا النموذج يعجز عن تحمل ما يسميه إدوارد سعيد "تبعات السلطة" فيتراجع کروزو سياسيًا من ملک إلى حاکم ثم إلى نائبٍ للحاکم، وسرديًا من الراوي والموضوع الأوحد إلى راوي شاهد عيان إلى راوٍ لما فعله أو رآه غيره. ومن هنا يدرک کروزو أن تحويل جزيرة غير مأهولة إلى إقطاعية أقل صعوبة من بناء إقطاعية سردية ولو کان هو مؤلفها.