ساد الاختلاف بين المؤرخين حول مسألة ممارسة سکان المغرب القديم للـزراعة قبل قدوم الفينيقيين للمنطقة، حيث يرى بعض المؤرخين أن أصول الزراعة وبداية التقنيات الزراعية وتطورها مرتبط بالشرق الأدنى، وبخلاف هذا الرأي يؤکد البعض الآخـر مـن المؤرخين أن سکان المغرب مارسوا العمل الزراعي قبـل مجيء الفينيقيين بالاستناد على ما ذکرته المصادر القديمة والمکتشفات الأثرية.
أن الرؤية المقترحة في هذا البحث ترتکز على طرح الخلفية الزراعية لسکان المغرب القديم قبل تأسيس قرطاج من خلال تحديد موقع بلاد المغرب القديم ومقوماته الطبيعية والبشرية وأثرها في ممارسة الزراعة، والوقوف على الأصول الزراعية, والتقنيات المستخدمة في الزراعة, وأهم المحاصيل الزراعية للوصول إلى تحليل أشمل وأعم لمدى ممارسة وإتقان سکان المغرب القديم للزراعة قبل تأسيس قرطاج.
ومن خلال البحث تبين أن بلاد المغرب تمتعت بموقع استراتيجى هام أهلها لأن تکون عرضة لمؤثرات أوروبية وشرقية، حيث تجدرت معالم حضارة ذات أصول شرقية أکسبها تفاعلها مع محيطها الجديد هوية متفردة, ولهذا کله کانت ممارسة سکان المغرب للعمل الزراعي عن طريق تفاعل الحضارات وانتقال الأفکار والخبرات من الشرق الأدنى بواسطة المجموعات البشرية المتلاحقة التي استقرت في کامل المنطقة دون أن يـکون للفينيقيين أى دور في مسألة الانتقال الزراعي تلک, وأن ما أدخله الفينيقيون والقرطاجيون من استحداثات في غراسة وزراعة الأرض يکمن أساساً في ثقنيات الإنتاج ودرجة تکثيفه أکثر من إدخال نوعيات جديدة للمنطقة باستثناء فرضية إدخـال أو إشاعة غراسة الرمان التي نص عليـها بليني الأکبر باعتبارها إضافة قرطاجية أو فينيقية في غرب البحر المتوسط، وفي المقابل اعتبر تقنية تطعيم الزيتون البري اختصاصاً (إفريقيا)، ويعود الفضل فى انتشار زراعة الحبوب (القمح، الشعير) في بلاد المغرب للسکان, فعلى طـول السهول الممتدة جنوباً بين دقة ومکثر کان جـل الإنتاج من الحبوب من عمل الليبيين, وهذا الموضوع يحتاج إلى دراسات جادة تتناول دور قرطاج فى تطور الزراعة وثقنياتها ليس فى بلاد المغرب القديم فحسب بل فى الحوض الغربى للبحر الأبيض المتوسط.