يتناول هذا البحث العلاقة الجدلية بين الأصولية الجديدة فى الفکر العربى الحديث، بوصفها تمثل حرکات دينية راديکالية سياسية تحاول التوفيق بين تراث الإسلام فى الماضى ومقتضيات الحداثة فى العصر الحديث، والغرب بوصفه مهدا فکريا للمصطلح، وأيضا بوصفه الآخر الذى اشتبکت معه الأصولية الجديدة انجذابا ونفورا. ففى حين تميل الدراسات النقدية فى الغرب إلى ربط الأصولية وظاهرة العنف الدينى بالثقافة الإسلامية واتجاه الإسلام السياسى، تؤکد معظم الدراسات الصادرة عن الأکاديمية الغربية ذاتها الارتباط الوثيق بين ظهور مصطلح الأصولية والغرب، خاصة لدى الطائفة البروتستانتية فى الغرب الأمريکى على مشارف القرن الماضى، والتى ارتبطت الأصولية عندها بالحفاظ على أصول الإنجيل الثابتة، مثل قضية خلق الله المباشر للکون والبشرية، على النقيض من دعوى التطور الداروينية، وقضايا صلب المسيح وقيامته الجسدية وقيامه بالتضحية للتکفيرعن خطايا البشر وتخليصهم، ومبدأ تنزيه الکتاب المقدس عن الخطأ والنقد.
لأجل ما سبق عن العلاقة بين فکر الأصولية الجديدة والغرب، يتناول هذا البحث علاقة فکر سيد قطب الرافض للغرب وحداثته وتأصيله لهذا الفکر فى کتابه "معالم فى الطريق" بوصفه نموذجا نصيا للفکر الأحادي الذى ينشغل بالمفاصلة والانعزال عن الآخر. وقد لا نضيف جديدا عندما نبحث مظاهر الأحادية الثقافية فى فکر سيد قطب وأثرها على إنتاج فکر المفاصلة والتکفير فى السبعينيات من القرن الماضى، أو عندما نستطرد فى عرض أفکاره التأسيسية لهذا التوجه من أمثال مفاهيم "الجاهلية" و"الحاکمية" و"المفاصلة" و"الاستعلاء". ولکن ما يبغى البحث إضافته هو توضيح العلاقة المرکزية بين التيارات الثقافية السائدة فى الفکر العربى بوجه عام والفکر الإسلامى الراديکالى بوجه خاص المتمثل فى کتاب "معالم فى الطريق"، وذلک فيما يخص إشکالية العلاقة المتوترة بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية والحداثة. ولعلنا ندرک بذلک الخلل المترتب على رفضکل ما يمت بصلة إلى جهود غير المسلمين في ميدان السياسة والعلم والقيم الاجتماعية والفکرية أو على تقبل کل تطبيقاتهم العملية وتجاربهم الإنسانية والحضارية بدون تمحيص ونقد.