يتناول هذا البحث قصيدة ((صباح صيفي في لندن)) التي نشرت في عام 1800، أى في العام الأخير من حياة واحدة من أبرز شاعرات العصر الرومانسي في إنجلترا، ألا و هى الشاعرة، والروائية، و الممثلة المسرحية ماري روبنسون (1758-1800). قد تبدو هذه القصيدة لأول وهلة قليلة الأهمية إذا ما قورنت بمجمل أعمال الکاتبة من قصائد رومانسية مرهفة، أو خواطر سياسية حول الثورة الفرنسية في 1789، أو مقالات نسوية، أو روايات، أو سيرة ذاتية، إلا أن هذا البحث يسلط الضوء من خلال قراءة تحليلية نسوية علي موضوع فريد في سياق موضوعات الشعر الرومانسي، ألا وهو اختيار الشاعرة لرصد أنشطة الحياة اليومية - وبخاصة التجارية - بأدق تفاصيلها، ودلالات ذلک الاختيار في تلک الحقبة و قبل انتهاء حياتها العاصفة التي اتسمت بالتمرد و الثورية.
إن قصيدة ((صباح صيفي في لندن)) تبدو وکأنها احتفالية بالأنشطة العادية اليومية في حياة سکان لندن. فهي بعيدة کل البعد عن جو الکآبة و الحزن الذي ميز أغلبية قصائد الأدب الرومانسي، أو التمرد السياسي، أو تمجيد شعارات الثورة الفرنسية من حرية ومساواة و إخاء، أو التحليق في عالم خيالي للهروب من واقع شخصي أليم يتسم بالوحدة، والإحباط، والشعور بالخذلان، واشتداد المرض على الشاعرة. ذلک أن القصيدة بعيدة کل البعد عن المسلک الشائع للشعراء الرومانسيين في لجوئهم إلى الطبيعة بعيدا عن الإحباطات الاجتماعية و السياسية بالمدينة. فعلى العکس من ذلک نجد مارى روبنسون تنسلخ عن کل معاناتها العاطفية، والمادية، والجسدية، والإبداعية، وتتقوقع داخل المشهد الواقعى و المحلي عن طريق وصف مشهد البيع والشراء في شوارع لندن في أوائل القرن التاسع عشر. وبهذا يتضح أن الشعر الرومانسي يتحدى التصنيف.
ويثير البحث عدة أسئلة تتعلق بمدى انفصال الشاعرة حقا عن واقعها الأليم في تلک القصيدة ا لمرحة، ومدى إسقاطات مشهد البيع والشراء على حياتها الشخصية بوصفها امرأة و کاتبة، وشاعرة تعيش في مناخ أدبى اتسم بالتحيز للکتاب والشعراء من الرجال، والخلط الدائم ما بين نقد المرأة والکاتبة. إن القصيدة مجرد محاولة - قد تنجح أو تفشل – لنسيان المأساة الشخصية لشاعرة مرهفة الحس مثل مارى روبنسون.