يحاول هذا البحث أن ينطلق من ظاهرة بلاغية لغوية تتصل بالخطاب القصدي في أسلوب العطف، لتسهم في معالجة نظرية وتطبيقية لموضوع المناسبات المختلفة التي يتواصل بها المتکلم العربي. وقد اخترنا لهذه المناسبات موضوع الإمتاع والمؤانسة؛ لکونه يحمل من الدلالات ما يجعله قصديا في تعبيره عن الأغراض اللغوية والبلاغية التي يحتاج إليها في المجال التخاطبي .
فأغراض العطف حين ينظر إلى طريقة استعمالها في اللغة، يتضح أنها تؤسس خطابا قصديا معرفيا، بواسطة الوضعية التواصلية لخطابه، والطبيعة المتميزة لحروفه التي تفيد المعاني النسقية في ربط الکلام وترتيبه. فالکاتب والأديب المستعمل لمعاني العطف في خطابه أو أسلوبه، يعتمد تعلق المعاني؛ وهو توقف جزء من الکلام على جزء آخر يتمم فائدته بواسطة مجموعة من المعاني التي تؤديها الحروف حسب المواضيع التواصلية المناسبة؛ کالاستثناء، والشرط، والصفة، والعطف، والبدل...
وقد بنينا تصورنا لهذا الموضوع على معطيات التصور والاستعمال في خطاب القصد، الذي يرتبط ببعدين أساسيين: بعد عقلي، والآخر تأثري. فالبعد العقلي يتجلى في التصور الذي ينفذ البلاغي من خلاله إلى الجامع العقلي في الاشتراک في المخبر عنه، أو في الخبر، أو في قيد من قيودهما، أو تماثل بينهما. ثم البعد التأثري، الذي اسهمت فيه المرجعيتان؛ النحوية والمنطقية في تمييز القصد من الخطاب المحمول بواسطة روابط العطف.
وقد استفاد عدد من البلاغيين من موضوع القصد في خطاب العطف، لکونه يمثل موضوعا خصبا للمحاججة والجدل في المعاني التي يحملها، کما هو الشأن عند أبي حيان التوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة" أو أبي هلال العسکري في کتابه "ديوان المعاني"، حيث نجد في أمثال هذه المصنفات، أن عطف المعاني لها قوة استدلالية تحتاج في فهمها إلى استنباط، وتعليل، وبيان للحدود، ومقاصد للأغراض. لذلک استعانوا بالخطاب القصدي لعطف المعاني في عدد من الأغراض؛ کالإقناع والإفادة، کما استعملوه في عدد من القضايا منها: بيان الحد أو المفهوم، التعاريف المتفرعة عن الدلالات المتقابلة للأنواع والأجناس المتقاربة، ثم اتخاذه قصدا استدلاليا، يعتمد على طلب الشاهد في ضبط المعاني. کلها مواضيع مهمة جديرة بالتحليل والنظر في إطار الدرس البلاغي واللغوي، کما ترتبط ارتباطا وثيقا بالمجال التداولي في الدرس اللساني المعاصر.