يصدر هذا البحث عن فکرة الربط بين بعض القضايا النقدية والبلاغية الموروثة، ومثيلاتها من المفاهيم والاتجاهات النقدية المعاصرة؛ إذ نقرأ الموروث بلغة العصر؛ لنحاول استجلاء مواطن الإبداع عند علمائنا القدامى، والوقوف عند إرهاصاتهم لکثير من المفاهيم والقواعد النقدية الحداثية. ولعل قضية السرقات الشعرية من أکثر هذه القضايا الموروثة سطوعًا فى سماء نقدنا القديم، فقد تناولوها شرحًا وتفصيلاً وتقسيمًا، منطلقين فى ذلک من اعتبارات دينية وقبلية وبيئية ومذهبية وغيرها. ولم يغفل النقد الحديث هذه الظاهرة؛ إذ فسرها من خلال استجلائه للعملية الإبداعية ومستوياتها، وهو ما اصطلح على تسميته "بالتناصية"
أو "التناص"، وجعلهم من هذا المفهوم أداة کاشفة لتفسير العلاقة الترابطية بين النصوص قديمها وحديثها، وقد اتخذ هذا البحث من أبى هلال العسکرى محورا وشاهدًا على الدور التأصيلى لنقادنا القدامى فى تحديد مجالات الحرکة لهذا المصطلح، من خلال مجموعة من المحاور والأفکار النقدية الرئيسية التى اتضحت معالمها عنده؛ مثل: فکرة الارتداد إلى الماضى واستحضاره فى عملية الإبداع، وفکرة التداخل الواعى وغير الواعى بين النصوص، وفکرة استلهام النصوص واستحضارها وتوظيفها، وفکرة الحل والعقد فى الصياغة والإطار الشعرى، وغيرها من الإرهاصات التى أسهمت فى تنامى النقد العربى الحديث.