يواجه عالمنا العربي والإسلامي صراعاً فکرياً وعقائدياً وحضارياً، ولم يعد أمامه إلا أن يعيد صياغة فکره في کافة المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية لتحديد هويته الثقافية والحضارية، لذلک ظهرت محاولات جادة بين المخلصين من رجال التربية في عالمنا العربي والإسلامي تدعو إلى ضرورة الرجوع إلى تراثنا التربوي والنفسي لدراسته وتحليله ومحاولة الاستفادة منه في وضع فلسفة تربوية شاملة تعيد للمواطن العربي والإسلامي أصالته وتحدد له رسالته في عالمنا المعاصر (النقيب، د.ت، 3).
إن قضايا العالم الإسلامي وخاصة ما يتعلق بالتربية لا يمکن حلها إلا من خلال نظرة إسلامية تتناسب مع ثوابت المسلمين. ويأتي هذا البحث للمساعدة في إظهار ملامح تطور الفکر التربوي الإسلامي في فترة من فترات ازدهاره وهي القرن الثاني الهجري في محاولة لمعالجة بعض قضايا المسلمين دون الحاجة إلى الفکر الوضعي العلماني. فالمناهج الغربية لا تستطيع تفسير الواقع الحقيقي للتخطيط في المجتمع الإسلامي، فتلک المناهج تعلي وترفع من شأن الدافع المادي البحث وتهمل الدافع الروحي والأخلاقي. وهذا جعل الحاجة إلى البحث في التراث التربوي الإسلامي أکثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وذلک بسبب المشکلات الکثيرة التي أصبحت تظهر في حياة الإنسان المعاصر وقلة توفر الحلول لها (فرج، 2011، 431).
والکشف عن تاريخ الفکر التربوي أمر بالغ الأهمية في تأسيس الفکر الإسلامي المعاصر، ولربط الحاضر بالماضي، ولنسبة الفضل إلى أصحابه.
ومن هنا کان من الضروري تعقب أعلام فکر الأمة وتراثها؛ لمعرفة ماذا صنعوا تجاه دنياهم ليُصنع نظيره تجاه دنيا الواقع، فعندئذ يُحافظ على السمات الأصلية التي تميز الواقع، دون أن تقتصر هذه المحافظة على إعادة إنتاج الناتج نفسه مرة أخرى في نسخة أخرى  ولو نُظِر إلى أبرز ما يميز العربي القديم في وقفته تجاه العالم من حوله، وُجدَ أنه نظر إليه نظرة عقلية، فإذا کان أمره هکذا، ثم أُريد مواصلة السير على هدى من تراث الأمة ليربط الحاضر بالماضي، لزمت الوقفة نفسها تجاه عالم الواقع، فلئن کانت مشکلاتهم غير مشکلات الواقع الحالي، واهتماماتهم غير اهتماماته، فذلک لا ينفي أن تُصطنع النظرة التي اصطنعوها، فيُتحد معهم في وجهة النظر وإن لم يُتشابه وإياهم فيما يُنظر إليه من مشکلات وقضايا(رضوان، 2014، 9).