ُيعد التعليمُ من أولوياتِ سياساتِ وبرامج الدول على کافةِ المستوياتِ المتقدمةِ والناميةِ ، فجوهُر الصراعِ العالمي في المستقبلِ هو في حقيقته تنافسٌ تعليميٌّ , فقد أثبتت الدراساتُ المقارنةُ والتجاربُ الدوليةُ المعاصرةُ أن آلية التقدمِ الحقيقيةِ هي التعليم, إذ يُعد التعليمُ بمثابةِ المحرکِ الرئيسِ لمجتمعِ المعرفةِ ، والعاملُ الأکثرُ حيويةً في تشکيلهِ وبنائهِ ، مما يدفعُ دولَ العالمِ إلى إعادةِ النظرِ في البنيةِ التعليميةِ على المستوياتِ المختلفةِ، والمراجعةِ العميقةِ والدقيقةِ لبرامج إعدادها لمعلميها( أمين محمد النبوي(1)، 2007 ، 31).
کما يُعد التعليمُ اليومَ أهمَ الرکائزِ لنهضةِ الأممِ والمجتمعاتِ ورقيها وتقدمها . ولم تعرفْ البشريةُ على امتدادِ تاريخها أمةً من الأممِ نالتْ حظاً من التقدمِ والرقي دونَ توفرِ تعليمٍ جيدٍ لأبنائها ، حتى أصبحَ من المسلمِ به أنَّ النهوضَ بالمجتمعِ في شتى مجالاتهِ رهنٌ بإصلاحِ نظامِ التعليمِ فيه ، ولن يکونَ هناک تعليمٌ جيدٌ دونِ أن يکونَ هناک معلمٌ جيدٌ ، فهو يمثلُ حجرَ الزاويةِ في عمليةِ التعليمِ والتعلمِ ، إذ لا معنى لجودة المناهجِ أو الإدارةِ أو التوجيهِ أو غيرها من العملياتِ التربويةِ دونَ معلمٍ جيدٍ ، ولن يکونَ معلمٌ جيدٌ دونَ أن يکونَ هناک نظامٌ جيدٌ لاختيارهِ وإعدادهِ وتأهيلهِ( خالد أحمد بوقحوص، 2004 ، 2).
وقد استقرَّ في الأدبياتِ التربويةِ أنِّ المعلمَ يُعدُّ أحدَ أهمِ الرکائزِ الأساسيةِ في تطويرِ منظومةِ التعليمِ، إذْ يُسهمُ بدورٍ فاعلٍ في تطويرِ أداءِ الطلابِ وتوجيههمْ نحو التکيفِ مع المجتمعِ والاندماجِ معه، وُمسايرةِ التوجهاتِ العالميةِ المعاصرةِ، کما أنه المسئولُ عن تشکيلِ العقولِ والأفکارِ، ومن ثم فإنَّ نجاحَ أي نظامٍ تعليميٍ مرهونٌ بجودةِ إعدادهِ.
ولمْ تَعُدْ عملياتُ تطويرِ برامجَ إعدادِ المعلمينَ تعتمدُ على الاستجاباتِ العفويةِ وليدةَ اللحظةِ ، والتقلباتِ المزاجيةِ للقائمينَ عليها والمصالحِ المتبادلةِ لهيئاتِ التدريسِ ، ونفوذِ جماعاتِ الضغطِ من داخلِ کلياتِ إعدادِ المعلمينَ أو من خارجها ودورها في التطويرِ الجزئيِ أو التعديلِ اللامنظومي ، واستمراريةِ أنماطٍ من الإعدادِ لا تحققُ لخريجي تلک الکلياتِ ما تصبو إليهِ المهنةُ من التميزِ في الأداءِ ، بل أصبحتْ عمليةً تعاونيةً تعتمدُ على المثابرة ِوالأداءِ والبرهنةِ عليهِ وفقَ معاييرَ محددةٍ( أمين محمد النبوي (1)، 2007: 32).
لهذا أصبحت قضيةُ إعدادِ المعلمِ في الدولِ المتقدمةِ من القضايا المهمة, والتي لم تنظرْ إلى عمليةِ الإعدادِ على أنها عملية إعدادِ المعلمِ کمدرسٍ , بل اعتنتْ بجودةِ هذا الإعدادِ, وقدرتهِ على مواکبةِ التطوراتِ المعرفيةِ المتلاحقةِ.