لعبت الأسماک المحفوظة دورا مهما في الاقتصاد الروماني فاحتلت – مع القمح والنبيذ وزيت الزيتون – مرتبة عالية في قوائم الإنتاج والاستيراد والتصدير. وقد أقيمت مصانع لإعداد وتجهيز الأسماک ليس فقط في مواقع توفرها وصيدها (وقد تکون تلک المواقع موسمية) ولکن على امتداد الإمبراطورية خاصة في المناطق غير الساحلية منها بحيث تتوفر الأسماک المحفوظة على مدار العام وبأسعار تلائم کافة طبقات المجتمع. وقد تم العثور علي العديد من مصانع الأسماک المحفوظة أهمها مصانع غرب البحر المتوسط شرق المحيط الأطلسي ومصانع البحر الأسود. وبالرغم من توفر الآثار العينية بغزارة في غرب المتوسط، ندرت بالمقارنة مصادر البحر الأسود (حيث انمحى جزء کبير ولم يتم الکشف عن آخر)، ما جعل الباحثة تقارن ما رصدته من معلومات عن المتوسط مع آثار البحر الأسود لمحاولة الکشف عن المعلومات الناقصة هناک. وبالدراسة التحليلية لمصانع المتوسط والأسود توصلت الباحثة إلى أن هذه الصناعة تصاعدت في القرنين الأول والثاني الميلادي ثم اختفت تقريبا في نهاية القرن الخامس، کما توصلت إلى أن اختيار الموقع اعتمد علي الکثير من العوامل المهمة والمطلوبة في الصناعة نفسها، ما جعل المصانع ذات الموقع المتميز مراکز للإنتاج الضخم والتصدير في مقابل مصانع اکتفت بالإنتاج المحلي أو – في ضوء عوامل إضافية – توقفت عن الإنتاج.