شکلت الدولة المهدية منعطفا جديدا في الحياة السياسية والعسکرية والتاريخية للسودان في العصر الحديث ،لأنها کانت نتاج ثورة قام بها السودانيون بعدما التفوا حول رجل من بني جلدتهم بعدما ارهقهم الحکم الترکي ، وخاضوا في سبيل ذلک معارک عدة توجت بتأسيس دولتهم على يد الإمام محمد أحمد المهدي،الذي توفى بعد سقوط الخرطوم بأشهر قليلة،وخلفه أحد أهم شرکاء الميدان الخليفة عبد الله ،وقد عانى من مصاعب جمة داخلية وخارجية هددت حکمه،حاول التغلب عليها باتخاذ العديد من التدابير،وکان من أشد هذه المصاعب خطورة على ملکه ودولته قرار الإمبراطورية البريطانية إعادة فتح السودان وضمه لمصر ثانية ،واذا کانت الحملة التي أرسلت للسودان قد استغرقت ما يزيد على العامين فإنها توجت بقتل الخليفة عبدالله والقضاء على الدولة المهدية.
ولکن الخليفة عبدالله لم يقف موقف المتفرج على الغزاة وهم يسيطرون على أرضه منطقة تلو الأخرى ، بل أرسل القوات لمحاربتهم ومنعهم من التقدم،ورغم ما يؤخذ عليه من عدم اکتراثه الشديد بالغزاة وعدم ارساله حملات قوية لردهم منذ البداية ،إلا أن قواته بذلت قصارى جهدها في القيام بواجباتها،ومن ذلک تشييد الطوابي وحفر الخنادق والمتاريس لمواجعة العدو إلا أن النتيجة دائما کانت تأتي في صالح السلاح المتطور الذي يملکه الجيش الإنجليزي.
وکانت الطوابي من ضمن الاستعدادات التي قام بها الخليفة عبدالله للدفاع عن مدينة أم درمان مقر حکمه ،وأنشأها في مناطق مختلفة في الخرطوم وأم درمان والمناطق المحيطة بها،وشيدت الطوابي من التراب والطين على أساسات من الأحجار،واتخذت إما شکل مستديرأو شکل مستطيل ذو جناحين،فتحت بها فتحات للمراقبة وللمدافع وأخرى للبنادق،ومازال العديد منها باقيا يحکي قصة صمود ضد الغزاة وصمود ضد ما يحيط بها من أخطار.