إن دراسة تقنيات تنفيذ التصوير الجداري من الأمور المهمة فى مجال الترميم؛ وذلک لمعرفة الأسس التى تم بها تنفيذ هذه الأعمال, حيث ﺇن لهذا أهمية فى تحديد الاستراتيجة العامة والمقترحة في أسلوب العلاج أو الترميم؛ طبقا للدراسات التحليلية والعلمية التي لها دور کبير في تفسير ومعرفة, ليس فقط تقنيات التنفيذ الأصلية التى اتبعت, وﺇنما تمکنا أيضا من التعرف على طرق اﻹعداد والتجهيز للمواد المستخدمة قديما, ﺇلى جانب تحديد عوامل التلف التي کان لها تاثير في تغيير الخواص الکميائية والفيزيقية لطبيعة المواد.
ويعد فن الفسيفساء من تقنيات التصوير الجداري التي شهدت تطورا کبيرا على مر العصور من حيث تعدد تقنيات التنفيذ واختلافها واستخدام الخامات المختلفة نتيجة للطبيعة الجيولوجية ومواردها المتعددة من توافر الأحجار أو الرخام أو الزلط .....الخ. فالفسيفساء فن موروث عن فنون الحضارات القديمة لمنطقة البحر المتوسط وبلاد الإغريق والرومان, ورغم أن العديد من الحضارات القديمة قد عرفت أنواعا ومعالجات مختلفة للفسيفساء لأغراض طقوسية أو زخرفية, فقد انتشرت الفسيفساء في الحضارة اليونانية الرومانية وزاد انتشارها وارتباطها بالثقافة والحضارة البيزنطية؛ حيث کانت أداة تعبير أساسية وبلغت أوج اکتمالها في هذا العصر, وحيث ﺇن فن الفسيفساء يعتمد على تجميع القطع الصغيرة من الرخام أو الأحجار بجانب بعضها البعض؛ ويتم تثبيتها بالمونة التي قد تتنوع وتختلف في نسب خلطها أو المواد المضافة طبقا للطبيعة الجيولوجية للمنطقة, فبناء على ذلک فقد نجد التنوع الکبير لتقنية الفسيفساء سواء أکانت في المواد المستخدمة أم في طرق التنفيذ والأداء التي تطورت بدورها وقد أثبتت الدراسات المختلفة للباحثة هذا الاختلاف من خلال الدراسات التحليلية للفسيفساء من مواقع مختلفة في ليبيا.
وقد استرعي انتباه واهتمام ما شاهدته الباحثة من الفسيفساء الموجودة في ليبيا من حيث الألوان المستخدمة, وأساليب التنفيذ والأداء أو الموضوعات التي تم تنفيذها, باﻹضافة ﺇلى العناصر الزخرفية التي لازمت هذه الموضوعات, والتي لم نجد لها مثيلا″ في أي مکان ﺁخر, وهذا جدير بالدراسة والاهتمام, فدراسة الفسيفساء في ليبيا تعد جزءا″ مهما من المجموعة البحثية الخاصة بدراسة وتحليل أعمال التصوير الجداري بليبيا خاصة في العصور الرومانية, ولم يأت هذا الموضوع جزافاً؛ وﺇنما هو جزء من المشروع البحثي الخاص بالباحثة لدراسة وتحليل أعمال التصوير الجداري في العصور القديمة.
لم يتثنﱠ للباحثة البدء في هذا البحث إلا بعد الدراسات التحليلية والميدانية للعديد من المواقع الأثرية في ليبيا والحصول على النتائج التي کان لها دور مهم في تحديد وفهم الکثير من عوامل التلف التي أثرت على الفسيفساء ودراسة الترکيب البنائي للفسيفساء الليبية في العصر الروماني والتعرف على المشاکل التي تواجه الفسيفساء الليبية إثر العديد من عوامل التلف التي وجدت تقريبا متشابة في الکثير من المواقع مع الاختلافات التي تم رصدها بالمقارنة بما هو موجود بالمتاحف خاصة متحف السرايا الحمراء بطرابلس نتيجة لاختلاف البيئة المحيطة.
ويدور هذا البحث حول التعرف على الفسيفساء الليبية, ودراسة لعوامل التلف المختلفة والتي تم رصدها أثناء الدراسات الميدانية التي قامت بها الباحثة في عامي 2007 و2010 , ﺇلى جانب اقتراحات الباحثة ﻷساليب العلاج والصيانة والترميم أيضا, والتي تم اﻹعداد لها على شکل برامج متنوعة, طبقا لمتطلبات المواقع اﻷثرية أو المتاحف أو حتى تنمية الموارد البشرية لرفع کفاءة القائمين والمشتغلين بمجال الترميم, والتي سوف يفرد لها جزء من هذا البحث