أن مناداة مدرسة الجشطلت بإدراك الكليات يسبق إدراك الجزئيات، جعل المتفحص لأي كيان كلي يُدرك أنه يخفي وراء هذا الكل الكثير؛ مما يثير حب الاستطلاع لديه لاكتشاف ما بداخله من خفايا وخبايا تحوي في ثناياها ما يؤصل ويعمق هذا الكل، أي أنه من الطبيعي أن يسبق إدراك الأجزاء إدراك الكل بشكل شمولي.
وإدراك الأجزاء يندرج تحت ما يُسمى بتحليل تلك الأجزاء، أو بمعنى أدق تحليل هذا الكل لأجزائه المكونه له، أي أن عملية إدراك الكل وفهمه لا تقف عند حد تفحصه فحصاً سريعاً شاملاً بل تستلزم تحليل هذا الكل إلى مكوناته وفحصها بشكل دقيق؛ إدراكاً لما فيه من جمال أو مميزات أو عيوب يمكن السعي لإصلاحها.
هذا ما يُسمى في العلوم التربوية وغيرها بتحليل المحتوى، لكنه خاص في المجال هنا بتحليل المحتوى في الدراسات التربوية، وحيث إن تحليل المحتوى يتغلغل في مختلف المجالات، فإنه يحظى باهتمام خاص في مجال المناهج وطرق التدريس سواء من الناحية النظرية أم من الناحية العملية؛ حيث يستخدمه الكثير من الباحثين في إجراء أبحاثهم، لذلك فهو لاغنى عنه بصفة خاصة في إعداد الدراسات المتعلقة بمجال الكتب الدراسية و تقويمها.
ويتطلب تحليل المحتوى تمكن الباحث أو طالب الدراسات العليا من مجموعة من المهارات التي من شأنها جعل عملية التحليل عملية هادفة تؤتي المرجو منها، ومن بين هذه المهارات ما يتعلق بالقراءة الناقدة أو القراءة الأولى للمحتوى، ثم القراءة الموجهة أو القراءة الثانية، وصولاً إلى القراءة الثالثة، وتحليل ما تشمله الصور المتعلقة بالمحتوى وتحليل العناوين، واكتشاف ما بها، وتحليل المفردات، والأنشطة والتدريبات إذا كان الأمر يتعلق بتحليل محتوى كتب دراسية وما تشمله من وحدات ودروس.
إن عملية تحليل المحتوى تتعلق بما يسمى الاستدلال اللغوي، ويتصف الاستدلال اللغوي بكونه قدرة من القدرات العقلية المتعددة والتي تشتمل على: المرونة العقلية، الاستدلال العلمي والميكانيكي، الاستدلال اللغوي وفهم المقروء، والاستدلال الرياضي والمكان، وتندرج تحت الاستدلال اللغوي مجموعة من المهارات التي تلتقى في بعض محاورها بمهارات تحليل المحتوى، حينما يقدم الباحث رؤيته على تقويم وإصلاح المحتوى الذي يقوم بتحليله.
وحيث إن مرحلة الدراسات العليا هي المرحلة التي يبدأ الباحث فيها بتعلم وإدراك ما يعينه على إجراء وتنفيذ بحثه في مرحلة الماجستير، فقد اختصت مرحلة الدبلوم المهنى بإمداد الدارسين ببعض المواد ومنها مادة تحليل المحتوى؛ التي يحاول فيها الكثير من الطلاب محاولة فهمها وإدراك مهاراتها، وللتمكن من فهم هذه المادة وإتقان ما بها يجب التأني في دراستها وتطبيق مهاراتها تطبيقًا عمليًا في تحليل النصوص والدروس المختلفة.